هل الغرب كله و«إسرائيل» ضد الإرهاب؟

04:22 صباحا
قراءة 4 دقائق
د. عصام نعمان

روسيا قالت كلمتها. قذفت حممها بغزارة ضد «داعش». ضاعفت هجومها بالصواريخ وقنابل الطائرات الاستراتيجية المنطلقة من أراضيها على بعد أكثر من ستة آلاف كلم. رئيسها فلاديمير بوتين أمر أركان حربه، بعدما تأكدت فرضية التفجير الإرهابي لطائرة الركاب الروسية في سيناء، بالبحث عن الإرهابيين «أينما اختبأوا» وبتكثيف الضربات الجوية في سوريا.

فرنسا التي فاجأتها وروّعتها هجمات «داعش» البالغة الشراسة في وسط عاصمتها مسحت آثار الذهول بسرعة. قصفت مقاتلاتها بلا هوادة مواقع الإرهاب في محافظة الرقة السورية. حرّكت حاملة طائرات وقطعاً أخرى من أسطولها إلى شرق المتوسط. رئيسها فرنسوا هولاند دعا إلى تعديل أحكام الدستور لترفيع فاعلية المواجهة، كما دعا إلى تشكيل أوسع تحالف دولي ضد الإرهاب.
الولايات المتحدة، بلسان رئيسها باراك أوباما، وصف «داعش» بأنه «وجه الشر»، لكنه تمسّك برفضه إنزال قوات برية لمقاتلته على الأرض. وزير خارجيته جون كيري عوّض تقاعس رئيسه ورئيس تركيا رجب طيب أردوغان بالإعلان عن أن «الحدود الكاملة لشمال سوريا أغلقت 75 في المئة منها الآن، ونحن مقبلون على عملية مع الأتراك لإغلاق 98 كيلومتراً متبقية».
بريطانيا استعجل رئيس وزرائها كاميرون المساعي لإقناع مجلس العموم بمشاركة أفعل في مقاتلة «داعش».
الأربعة الكبار منخرطون إذاً، بدرجات متفاوتة، في مقاتلة «داعش» وغيره من التنظيمات الإرهابية. هل يمكن الاستنتاج بأن الغرب عموماً، فضلاً عن روسيا غير الأطلسية، مجمع على مقاتلة التكفيريين؟... وماذا عن «إسرائيل» ؟
ظاهرُ الحال يشير إلى أن مَن تعتبره تنظيمات إرهابية عدواً لها هو مجموعة نُظم وأحزاب سياسية وفصائل مقاومة معادية لأمريكا و«إسرائيل» أو صديقة لإيران.

المفارقة اللافتة أنه في الوقت الذي يتهم بعض النُظُم والأحزاب السياسية وفصائل المقاومة مَن يقاتلها ك «داعش» و«جبهة النصرة» وغيرهما بأنها تتعاون مع أمريكا وتتلقى منها دعماً مالياً ولوجستياً، ولا تتحرّج من إرسال جرحاها إلى «إسرائيل» لتلقي العلاج في مستشفياتها، تتخذ أمريكا موقفاً مناهضاً لِ «داعش» و«النصرة» بدعوتها دول المنطقة إلى التوقف عن تمويلهما وتسليحهما، والمباشرة في محاربتهما.

إلى ذلك، تطرح عودة تنظيم «القاعدة» الأم إلى الأضواء، إعلامياً وميدانياً، سؤالاً إضافياً متواتراً حول موقف هذا التنظيم من «إسرائيل»، كما حول الموقف الحقيقي لِ «داعش» من الكيان الصهيوني ؟
ثمة فكرة شائعة بأن «القاعدة» ومعظم فصائل الجماعات الإرهابية لا تقاتل «إسرائيل» بل تركّز حربها على أنظمة غير دينية يوالي معظمها الغرب بصورة عامة.
ألم يبدأ نشاط «القاعدة» ميدانياً بمقاتلة الوجود السوفييتي «الملحد» في أفغانستان، ليتحوّل لاحقاً عبر «طالبان» إلى مقاتلة نظام قرضاي الموالي لأمريكا وحلفائها الأطلسيين ؟
ثقافة الغرب هي العدو الأول لِما يسمى«الإسلام الجهادي»، ومن ضمنه «القاعدة» و«داعش»، وكذلك الأنظمة والمنظمات التي تتشرب ثقافة الغرب. ذلك أن مصالح الغرب وسياسته ليست، في مفهوم «القاعدة» و«داعش» وغيرهما، أخطر من ثقافته. بالعكس، ثقافة الغرب هي محفّزةُ مصالحه وحاميتها والمروّجة لها من خلال أنظمة ومنظمات ومؤسسات وأجهزة محلية تلتزم هذه الثقافة وتناصرها وتجاريها.
إذا كانت «إسرائيل» ابنة الغرب وثقافته وسياسته ومصالحه، فإن مقاتلة الغرب تكون، والحالة هذه، أولوية أولى بحسب مفهوم «القاعدة» ومعظم تنظيمات هذا«الإسلام الجهادي». بكلامٍ آخر، مقاتلة الأب تتقدم على مقاتلة ابنته لأن الأصل أخطر من الفرع.
هذا التفكير «الإسلاموي» الساذج يُوقِع «القاعدة» وبعض فصائل هذا «الإسلام الجهادي» في تناقض وحرج شديدين. ذلك أن لِ «إسرائيل»، بما أنها ابنة الغرب وذراعه الضاربة، دوراً في المنطقة العربية يعادل في خطورته دور الغرب الأطلسي بل يتفوّق عليه أحياناً. فهل يعقل أن تنخرط هذه الفصائل في حروب مع أنظمة ومنظمات تقاوم «إسرائيل» والغرب في آن ؟
إلى ذلك، ثمة مفارقة لافتة. فالغرب الذي يجاهر بمعاداة سوريا ونظامها، ويساند المعارضة السورية المسلحة، بدأ يعيد النظر بسياسة دعم التعاون بين «الجيش السوري الحر» و«جبهة النصرة» وذلك بقصد جعل «الجيش الحر» عموداً فقرياً لمعارضة سورية معتدلة ومناوئة لِ «داعش» وللنظام السوري في آن.
ماذا عن نظرة «إسرائيل» إلى «داعش» ؟

«إسرائيل» لا تشارك قادة الغرب الأطلسي تحفظهم تجاه تنظيم «داعش» والتنظيمات المشابهة له. ذلك أن رئيس الطاقم السياسي- الأمني في وزارة الحرب «الإسرائيلية» الجنرال عاموس غلعاد كان أكّد تفضيل حكومته تنظيم «القاعدة» في سوريا على نظام الأسد و«محور الشر» بقوله إنه «حتى لو تفككت سوريا إلى أجزاء مختلفة، وحتى لو أدى هذا التفكك إلى استقرار تنظيم "القاعدة" وتفرعاته في هذه الدولة، فإن «إسرائيل» تفضّل ذلك على بقاء نظام الأسد لأن محور الشر مخيف».
غير أن وجهة نظر مغايرة تبدّت أخيراً بعد هجمة «داعش» الدموية في باريس. المحلل السياسي ران أدليست قال في صحيفة «معاريف» (16/11/2015) إن تفجيرات باريس الدموية «فرصة ذهبية لِ "اسرائيل" للمشاركة في الحرب الدولية على «داعش» بدلاً من الاكتفاء بضرب أعدائه».
إلى المصالح السياسية، ثمة دوافع عملية ومصلحية تدفع تنظيمات ما يسمى «الإسلام الجهادي» إلى التعاون والتحالف، ظرفياً، مع دول وحكومات وتنظيمات وقيادات غربية لتحقيق أغراض مشتركة في بعض الساحات. التعاون يتمّ بصيغة إيجار الخدمات في سياق التقاء الأغراض، أو عدم تعارضها في الأقل، بين المستأجر والمؤجر.
في هذا الإطار يمكن تفسير التعاون بين أمريكا وتنظيميّ «داعش» و«النصرة» الذي كان قائماً في ساحتي العراق وسوريا قبل إفراط كلا التنظيمَين في استخدام العنف الأعمى لأغراض محلية خاصة بهما والتفريط تالياً بأغراض أمريكا وحلفائها في الساحتين العراقية والسورية، ما حمل واشنطن على إلغاء عقد إيجار الخدمات (أو تعليقه) بينها وبين ذينك التنظيمين.
هكذا يتضح أن لا مشكلة علاقة بين الولايات المتحدة (وربما حلفائها أيضاً) وتنظيمات الإرهاب. فلكل مقام مقال، ولكل ساحةٍ متطلبات، ولكل مشكلة علاج.
ولعل العلاج الأفعل الآن أن يتوافق جميع اللاعبين، عرباً وعجماً وأنغلوساكسونيين وروساً سلافيين، على تحويل «فيينا -2» إلى تحالف دائم لمكافحة الإرهاب بكل وجوهه وتنظيماته.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

مُجاز في الحقوق ودكتور في القانون العام ومحام منذ السبعينات .. أستاذ محاضر في القانون الدستوري في الجامعة اللبنانية زهاء عشر سنوات .. نائب ووزير سابق .. له مؤلفات عدة وعديد من الأبحاث والدراسات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"