آسفي . . مدينة الخزف و44 ولياً

كانت تزود أوروبا بالسكر والملح والصقور
01:53 صباحا
قراءة 4 دقائق

مدينة آسفي تعني، حسب اسمها الأمازيغي، مصب النهر، تلقب بمدينة السمك والخزف والشواطئ الطبيعية، وهي إحدى أهم حواضر المحيط الأطلسي، وتقع على الشريط الساحلي متصلة بمدينتي الجديدة والصويرة من جهة وقريبة من القطب الاقتصادي للمغرب الدار البيضاء من جهة أخرى .

يعود تاريخها إلى العهد الفينيقي وفي القرن الحادي عشر ميلادي بدأت تذكر مدينة آسفي في الكتابات العربية .

حظيت آسفي بأهمية بالغة حتى إن اسم المدينة ورد ضمن أمهات المعاجم التاريخية كمعجم البلدان لياقوت الحموي، والرحالة المغربي الشهير ابن بطوطة الذي ذكرها في مذكراته الشهيرة التي ترجمت إلى أكثر من عشرين لغة . ولو أردنا أن نتعقب هذه المكانة في سائر المصادر العربية والأجنبية لوجدنا أنفسنا أمام كراسات طويلة .

شكلت آسفي وجهة مفضلة للعديد من الأسر الأندلسية والعربية من تطوان وفاس والرباط وسلا، حتى إنها وصفت بكونها مدينة دبلوماسية يقطن فيها السفراء والقناصل، مثل غيوم بيرار الذي مثل فرنسا هنري الثالث لدى المولى عبد الملك وقنصل الدنمارك جورج هورست وجون موكي صيدلاني الملك هنري الرابع، كما كان المبعوثون البريطانيون يفدون إلى آسفي قبل التوجه إلى مراكش حيث نزل بالمدينة البحار الإنجليزي هاريسن لتسليم رسالة من ملك إنجلترا تشارلز الأول إلى مولاي عبد الله .

وهكذا تحولت آسفي إلى ميناء دبلوماسي ترسو به السفن الأوروبية التي ترغب في ابرام الاتفاقيات الدولية بالعاصمة مراكش .

وتزخر أزقة المدينة بالصناعات التقليدية وأول ما يشد انتباه الزائر لآسفي معالمها التاريخية الموجودة في المدينة القديمة ومشارف البحر وضواحي المدينة التي يعود أغلبها إلى الاستعمار البرتغالي .

أهم معالمها قصر البحر الذي يوجد في مواجهة المحيط الأطلسي ويطل على ميناء الصيد البحري، وأسس من طرف البرتغال في القرن 16 الميلادي من أجل حماية المدخل الشمالي للميناء، وهو ما يفسر وجود العديد من المدافع الحربية فيه وعلى أبراجه . وقد أعيد ترميم هذا القصر في عام،1963 وهناك قلعة القشلة التي تطل على المدينة القديمة وقصر البحر وقد بنيت للحامية عسكرية من طرف البرتغاليين لحماية المدينة من هجمات السكان .

المدينة القديمة

أما مدينة آسفي القديمة فقد دفعت بالعديد من الفنانين والرسامين والسياسيين إلى الإقامة بها بسبب رونقها وما تمنحه من حياة آسرة وجمال خلاب واختلاط عجيب بالسكان .

وتضم المدينة أيضاً المتحف الوطني للخزف الذي أسس عام 1990 ويضم مجموعة من القطع الخزفية المهمة التقليدية والحديثة التي تتميز بأشكالها الهندسية المتميزة وبألوانها المتناسقة . وصومعة الجامع الكبير التي تعود إلى العهد الموحدي، وطاجين المدينة الكبيرة الذي يوجد في قلب المدينة والذي مكن جمعية الفاعلين الاقتصاديين بمدينة آسفي من دخول كتاب الأرقام القياسية جينيس في 10 يوليو / تموز من عام 1999 من خلال انجاز أكبر طاجين لكويرات سمك السردين الذي أسهمت في إعداده 200 امرأة، وقدم للمحتاجين 3 أطنان من السردين المشوي .

تعتبر الصناعة التقليدية أحد القطاعات الحيوية التي تسهم في التنمية الاقتصادية والاجتماعية للمدينة، ويمثل الخزف أهم الحرف التقليدية بالمدينة وتراثاً ثقافياً وسياحياً لها، وتتمركز صناعته في حي الشعبة الذي أسس من أجل احتضان العدد المتزايد من حرفيي الخزف، حيث يوجد بها نحو 100 خزفي يمارسون عملهم في 74 ورشة مجهزة ب130 فرناً تقليدياً، ثم هضبة الخزف وهي أقدم حي في المدينة يعمل فيه أكثر من 800 حرفي في 37 ورشة مجهزة ب70 فرناً تقليدياً .

وبالإضافة إلى هذين الحيين توجد بالقرب من آسفي قرية نموذجية لصناعة الخزف هي قرية سيدي عبد الرحمن التي تتوافر فيها 30 ورشة موزعة على القرية . وتتكون المواد الأولية للخزف من الطين والماء وبعض المواد الكيماوية والخشب ويتفنن الحرفيون في توليف هذه المواد وإعطائها أشكالاً هندسية رائعة، وهو ما جعل خزف آسفي يحتل مكانة عالمية، وجعل آسفي تعتبر مدينة الخزف بامتياز في المغرب .

دبلوماسية السكر

كانت آسفي عبر التاريخ أهم الموانئ المغربية، ما جعلها تشهد رحلات علمية شهيرة . وقديماً اتخذها المرابطون مركزاً لتجميع قوافل الذهب الإفريقي الذي ينقل عبر السفن إلى الأندلس لسك النقود، وبالتالي أصبحت آسفي مرسى الإمبراطورية المرابطية . وجعلها البرتغاليون ميناء رئيسياً لتصدير الحبوب والسكر والصوف . ومع توافد جالية إنجليزية كبيرة على المدينة، أقام بها الإنجليز مركزاً تجارياً ثم أنشأوا في القرن 19 مخزناً لتجميع كل ما يصدر من آسفي إلى إنجلترا، غير أن معاول الهدم طالتهما ليتم تحويل مكانهما إلى ساحة مولاي يوسف .

وعن أهمية آسفي لابد من الإشارة إلى المحطة البارزة التي ظهرت فيها دبلوماسية السكر على حد تعبير المؤرخين الأوروبيين، حيث كان السكر القادم من شيشاوة في مقدمة المواد التي تسوقها آسفي لإنجلترا، لأن الملكة لم تكن تقبل في مطبخها حسب ما يقوله هنري روبيرتس، إلا السكر المغربي، ثم إن آسفي كانت منطلقاً لملح البارود المغربي الذي لم يكن يوازيه أي ملح في العالم والذي كان الدفاع الحربي الإنجليزي يعتمده، فضلاً عن كون المدينة كانت تزود أوروبا بأجود الصقور المغربية التي أسهمت في تطوير هواية القنص بالصقور، وهي أيضاً مدينة الشمع الجيد والجوامع المنتشرة والأربع والأربعين ولياً .

ونظراً لأهمية آسفي فقد ذكرها الكتاب والرحالة الأجانب في كتاباتهم، ومنهم الطبيب الإنجليزي آرثر ليرد يقول: آسفي مدينة عريقة في القدم، ولا تزال بها آثار قصور ومعاقل البرتغال . أما الكاتبة فرنسيس مكنب التي زارت آسفي سنة 1902م فقد خلدتها بكلام جميل كانت آسفي في القرن ما قبل الماضي 19 مركزاً تجارياً مهماً تشرف عليه شركة دنماركية، وكان البرتغاليون من قبل يشجعون التجارة فيها وبلغت شهرتها في القرن 17 درجة عظيمة صدر معها الأمر إلى كل سفينة بريطانية تزور المغرب بأن تبدأ بزيارة آسفي، وتوالت الكتابات مع الرحالة الفرنسي أوبان أوجين وايتيان ريسيت فضلاً عن أرمان أنطونا الذي استقر بآسفي وكتب عن تاريخها وعاداتها كتابا سماه منطقة عبدة ثم جاء الكاتب الإنجليزي سكون أوكنور وتحدث عن المدينة وهي تحت الحماية الفرنسية .

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"