أمريكا و«طالبان».. عقبات على طريق الحل السياسي

02:48 صباحا
قراءة 4 دقائق
عمرو عبد العاطي *

عين الرئيس الأمريكي «دونالد ترامب» في الخامس من سبتمبر ٢٠١٨، زلماي خليل زاده، السفير الأمريكي السابق لأفغانستان خلال إدارة الرئيس السابق «جورج دبليو بوش» مبعوثاً خاصاً لأفغانستان، وتكون مهمته الأساسية التوصل إلى اتفاق سلام مع حركة «طالبان».
هدف المهمة هو إنهاء أطول حرب خاضتها القوات الأمريكية خارج أراضي الولايات المتحدة منذ أكتوبر ٢٠٠١ في أعقاب أحداث الحادي عشر من سبتمبر من العام ذاته، لأن القوات الأفغانية المدعومة من القوات الأمريكية وقوات حلف شمال الأطلنطي (حلف الناتو) لن تحقق نصراً عسكرياً حاسماً وهزيمة حركة طالبان التي تتمتع بدعم كبير في الداخل ومن قوى إقليمية، ولاسيما باكستان، التي تقدم لها كافة أنواع الدعم للحفاظ على قوتها وتأثيرها في المعادلة الأفغانية.
تأتي رغبة الإدارة الأمريكية للتوصل إلى اتفاق سلام مع حركة «طالبان» في ظل سعي الرئيس «ترامب» إلى تقليل عدد الجنود الأمريكيين في أفغانستان إلى النصف (7000 جندي) خلال الأشهر المقبلة؛ لارتفاع تكلفة الحرب خلال سبعة عشر عاماً، حيث وصلت التكلفة البشرية إلى مقتل ٢٤١٩ أمريكياً، بجانب التكلفة المالية التي قدرت ب٩٣٢ مليار دولار، ناهيك عن تكلفة إعادة إعمار الدولة التي تتفوق على ما أنفقته الولايات المتحدة على خطة «مارشال» بأكملها لإعادة بناء أوروبا في أعقاب نهاية الحرب العالمية الثانية.
ويعد تعيين الحركة أحد قادتها التاريخيين الملا «عبد الغني برادر»، الذي عرف عنه جنوحه للحل سلمي للحرب الأمريكية على أفغانستان، في منصب نائب قائد الحركة للشؤون السياسية ورئيس لمكتبها السياسي في الدوحة مؤشراً على مدى جدية «طالبان» في المفاوضات الساعية لإنهاء الوجود العسكري الأمريكي هناك، لأنه صاحب قرار حقيقي، وقد لا يكون بحاجة إلى استشارة القيادات الأخرى بالحركة في كل القرارات التي قد يتخذها.
وعلى الرغم من تفاؤل العديد من مسؤولي الإدارة الأمريكية بأن المحادثات التي يجريها المبعوث الأمريكي الخاص مع ممثلي حركة «طالبان»، ستؤدي لاتفاق سلام ينهي الحرب الأمريكية في أفغانستان، فإن هناك معوقات تحد من إمكانية التوصل له.إذ يبدو أن طالبان لا تستعجل الحل السياسي، فهي صاحبة اليد الطولى في الميدان، وهي بالتالي ليست مستعدة لتقديم تنازلات، طالما أن الطرف الآخر هو الذي يطلب الحل، بل ويستعجله.
ويتمثل أولها في أن الحركة ترفض إجراء محادثات مباشرة مع حكومة الرئيس الأفغاني «أشرف غني» التي تدعمها الولايات المتحدة، والمعترف بها من قبل دول العالم ومنظمة الأمم المتحدة، لأنها تصفها ب«الدمية» بيد القوات الأمريكية، ما يزيد من الشكوك حول توافق الحركة على ترتيبات تقاسم السلطة مع الحكومة الأفغانية الشرعية.
ويتمثل ثانيها في رفض الحركة الالتزام بالطلب الأمريكي بوقف إطلاق النار قبل أن تسحب الولايات المتحدة قواتها من أفغانستان، وإعلان الإدارة الأمريكية عن جدول زمني مقبول لانسحاب القوات الأجنبية من أفغانستان.
ويتعلق ثالثها بأن القوى الدولية والإقليمية التي لها مصالح في أفغانستان، مثل: الهند والصين وروسيا وباكستان، والتي تملك نفوذاً حقيقيّاً على الحركة كانت غائبة عن جلسات التفاوض بين المسؤولين الأمريكيين وممثلي حركة طالبان. ولهذا، يتوقع أن تلك القوى ستعمل على إفشال أي اتفاق سلام ترى أنه لا يخدم مصالحها.
تكشف بنود اتفاق السلام بين الولايات المتحدة ومسؤولين بحركة طالبان التي نشرتها بعض الصحف الأمريكية الانصياع الكامل من قبل إدارة الرئيس «دونالد ترامب» لمطالب الحركة، ولاسيما مع تنازل الإدارة الأمريكية عن الاتفاقية الأمنية التي وقعتها في عام ٢٠١٤ مع الحكومة الأفغانية التي تسمح لها بالوصول إلى تسع قواعد عسكرية على الأقل حتى عام ٢٠٢٤، في مقابل تعهد طالبان بعدم تحويل الدولة مجدداً إلى ملاذ آمن للإرهابيين الدوليين، ومنطلق لعمليات ضد الولايات المتحدة والدول الغربية الحليفة لها.
وقد تعزز التنازلات الأمريكية من قوة حركة «طالبان» داخليّاً في وقت حققت فيه مكاسب في ميدان المعركة ضد القوات الأفغانية، حيث ينظر إلى الاتفاق الذي سيتم التوصل إليه على أنه اعتراف أمريكي ضمني على انتصار الحركة في معركتها ضد القوات الأمريكية والحكومة الأفغانية المعترف بها دولياً.
ومع تسليم الإدارة الأمريكية قيادة أفغانستان إلى الحركة التي حاربتها لمدة سبعة عشر عاماً، لا يستبعد أن تتحول أفغانستان بعد انسحاب القوات الأمريكية إلى ساحة جديدة للتطرف والإرهاب، حيث هناك تخوفات جمة من أن تعيد «طالبان» السياسات المتشددة والمتطرفة التي كانت تفرضها خلال حكمها للبلاد من عام ١٩٩٦ إلى ٢٠٠١، ما يُهدر المكاسب التي حققتها أفغانستان خلال السنوات الماضية في تعزيز حقوق النساء والحقوق المدنية.
وفي التحليل الأخير، فمع تأزم فرص الرئيس الأمريكي في تنفيذ وعوده الانتخابية بشأن القضايا الداخلية، ولاسيما بعد فوز الديمقراطيين بالأغلبية في مجلس النواب في انتخابات التجديد النصفي للكونجرس التي أجريت في نوفمبر الماضي، ومعارضتهم الكثير من مقاربات الرئيس تجاه قضايا الداخل الأمريكي، ومع قرب موعد الانتخابات الرئاسية الأمريكية التي ستجرى في نوفمبر/‏تشرين الثاني من العام القادم، والتي تبدأ مقدماً في العادة، يسعى الرئيس لتحقيق إنجاز في القضايا الخارجية يعزز من فرص فوزه بولاية رئاسية ثانية تبدأ في عام ٢٠٢١ لمدة أربع سنوات.
ولذلك يسعى «ترامب» إلى تحقيق انفراجة في الأزمة النووية الكورية الشمالية، وإنهاء حرب أمريكية في أفغانستان ستدخل عامها الثامن عشر في أكتوبر القادم، والتي أثقلت كاهل دافعي الضرائب الأمريكيين ناهيك عن تكلفتها البشرية والعسكرية، وسحب القوات الأمريكية من أفغانستان وسوريا، لإعادة نشرها بما يتناسب مع استراتيجية الأمن القومي لعام ٢٠١٧، واستراتيجية الدفاع الوطني لعام ٢٠١٨ لوزارة الدفاع الأمريكية (البنتاجون) التي ترى أن الصين وروسيا، باعتبارهما قوتين كبيرتين في النظام الدولي، هما التهديد الرئيسي للولايات المتحدة وليس الإرهاب لسعيهما إلى إحداث تحولات استراتيجية في النظام الراهن، الذي أسسته الولايات المتحدة في أعقاب نهاية الحرب العالمية الثانية، بما يخدم أمنها ومصالحها بصورة رئيسية.

* باحث متخصص في الشؤون الأمريكية بمجلة السياسة الدولية - مؤسسة الأهرام

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"