"الثورة الصعبة" في موريتانيا

02:21 صباحا
قراءة 7 دقائق

السؤال الذي بات مطروحاً بشكل ملح في موريتانيا هو: هل سيتمكن نظام الرئيس محمد ولد عبدالعزيز من تجاوز الوضع الراهن في البلاد وتجنب ثورة شعبية؟ والسؤال الثاني هو: من يخطط فعلياً للثورة في موريتانيا؟ والسؤال الثالث هو: هل تستطيع أي ثورة شعبية الإطاحة سلمياً بنظام ولد عبدالعزيز؟

بداية لا بد من الإشارة إلى أن رقعة الاحتجاجات العمالية والشبابية والاجتماعية في موريتانيا آخذة في الاتساع، ربما حتى على مدار الساعة، لتشمل المزيد من القطاعات والمناطق .

وبالفعل أصبح لموريتانيا شبابها الثائر، وبلطجيتها، وقمعها، وميدان تحريرها وشعاراتها الثورية .

يقول محمد الناجي، أحد شباب حركة شباب 25 فبراير إن الحراك الشبابي الذي قامت به الحركة خلال الأسابيع الماضية كشف عن حالة امتعاض عامة في أوساط الموريتانيين، وجعل المهمومين يحملون تباريحهم ويستلقون في حضن شعارات تدغدغ مشاعرهم وتلامس تلك المعاناة الصامتة لدى غالبية المواطنين .

ويؤكد الناجي ل الخليج أن الحركة الاحتجاجية المتصاعدة تعتبر نجاحاً كبيراً للحركة الشبابية الساعية لإصلاح النظام والتأسيس الفعلي لتجربة ديمقراطية وتنموية .

ويعتبر محمد الناجي أن التغيير في موريتانيا بات مسألة وقت لا غير مع تنامي الوعي المطلبي لدى الطبقة النقابية والشبابية، وشعورها بضرورة تجاوز الطبقة السياسية التقليدية .

ويشير إلى أن التغيير المطلوب في هذه الحالة ليس تغييراً في الأشخاص وإنما يتمثل في إصلاح النظام السياسي والاقتصادي والاجتماعي في البلاد إصلاحاً جذرياً، مؤكداً في الوقت

نفسه أن أي رأس ولو كان ولد عبدالعزيز لا يستطيع أن يسد درب الحركة الاحتجاجية التي انطلقت .

الحوار لتجنب الأسوأ

أما المصطفى ولد بدر الدين زعيم اليسار الموريتاني، وأحد أبرز قادة المعارضة في البلاد، فقد أعلن في مهرجان جماهيري بمدينة أطار شمال نواكشوط، أن الرئيس محمد ولد عبدالعزيز الذي انقلب على الشرعية واستحوذ على وسائل الدولة وفرض بها نفسه دكتاتوراً بانتخابات مزورة، أصبح اليوم يواجه خمس جبهات، كل واحدة منها قادرة على إزاحته من الحكم، إذا لم يبادر إلى تلبية مطالبها، وهي العمال والمعارضة والشباب وانتفاضات فصالة والغايرة (المنقطة الشرقية) وتسونامي الثورات في العالم العربي . وأكد ولد بدر الدين أن موريتانيا عرفت في ظل نظام ولد العزيز من التردي والفساد والظلم وتصفية الحسابات والقمع والدكتاتورية ما لم تعرفه منذ استقلالها .

وقدم ولد بدر الدين صورة بالغة السوداوية لكل الأوضاع في البلاد على المستوى المعيشي والتسييري .

وخلص ولد بدر الدين، وهو أيضاً أشهر نواب البرلمان، إلى أن الاستياء اليوم يعم الشعب الموريتاني، الذي قال إن فقراءه بلغوا حسب الإحصاءات الرسمية مليوناً و400 ألف نسمة، ووصلت البطالة فيه إلى 32% دون بروز أفق لدى النظام يشير إلى حل هذه المشكلات .

ودعا إلى شد أزر المحتجين على سياسات النظام في جميع نواحي البلاد إلى أن يتم إرغام ولد عبدالعزيز على حل مشكلات المواطنين أو الرحيل .

وأكد ولد بدر الدين أن الطريق الوحيد أمام الرئيس ولد عبدالعزيز لتجنب ثورة هو الحوار مع أحزاب المعارضة والنقابات .

ما قدمه ولد بدر الدين هو ملخص رؤية المعارضة الموريتانية للوضع في البلاد، هي نفسها المعارضة التي تعكف أطراف فيها على وثيقة شروط الحوار مع النظام، فيما تعكف أطراف أخرى على تجاوز تلك المرحلة نحو التأسيس للظروف الملائمة للثورة مدفوعة في ذلك بعشرات القوى الناقمة على النظام .

ويرى مصدر سياسي بالغ الاطلاع في نواكشوط أن هناك عشرات الشخصيات السياسية والقبلية والمالية التي تخطط في الكواليس للثورة، وتراهن هذه القوى على جملة من العوامل من بينها احتمال تلقي إشارة من جهة ما في الجيش، وتوقع انضمام التيار الإسلامي للحراك الاحتجاجي في البلاد، وتزايد القوى الغاضبة في الموالاة .

ورغم انتشار الاحتجاجات، التي لم يسلم منها حتى العسكريون السابقون في الجيش الموريتاني، لا يزال النظام الموريتاني يفضل انتهاج أسلوب عدم الاكتراث أحياناً واعتبار ما يجري ظاهرة صحية في بلد يضمن الحريات الأساسية .

لكن هل يكفي فقط التظاهر باللامبالاة، واعتبار المشكل الذي تعانيه موريتانيا ناجم ببساطة عن عدم توفر التكوين المهني لعشرات آلاف الشباب العاطلين، كما أعلن الرئيس الموريتاني في خطابين الأسبوع الماضي أمام سكان ولايتي تكانت (شمال) وسيليبابى (جنوب)، أم أن البلد مقبل على مراحل أخرى من التحرك الشعبي تنذر بتكرار النماذج العربية السابقة على أرض تجمع في باطنها وفوق أديمها بذور الانفلات والفوضى إن لم تتخذ إجراءات جادة على وجه السرعة؟

لم يكن يوم الجمعة الماضي، ذكرى مرور شهر على انطلاق احتجاجات شباب 25 فبراير، مناسبة لتقديم التهاني والورود لشباب في عمر الزهور رافعين شعار الشعب يريد إصلاح النظام، فقد قوبلت التظاهرة الشبابية بقمع وتنكيل شديدين، بل قامت الشرطة بابتداع فكرة تعذيب جديدة وهي إجبار بعض الشباب

على أكل التراب، ولم يسلم من القمع الصحافيون الذين جاؤوا لتغطية الحدث . ما دفع القوى السياسية والحقوقية والمدنية لاستنكار خيار الحل الأمني، والتحذير من أنها لن تقف مكتوفة الأيدي .

في الخطوات المعاكسة أيضاً، كان التعامل مع ملف ترشيحات الحزب الحاكم لانتخابات التجديد الجزئي ل الشيوخ (البرلمان) غير موفق بعد خروج العديد من أطر الحزب وترشيح أنفسهم لمنافسة الحزب الذي اتهموا قيادته بتجاوز خيار القواعد، ما فاقم الأزمة الداخلية التي يعيشها الحزب الحاكم .

كما جاءت مكافأة حزب عادل الذي انضم للموالاة أخيراً، مفاجئة للجميع، حيث استولى الحزب الحاكم على أحد مرشحي عادل وضمه إليه، وهي رسالة اعتبرت خطيرة لباقي مكونات الأغلبية التي ترى أن الحزب يعاملها كأعداء، وجاء ذلك بعد أيام من إقصاء رئيس حزب الاتحاد من أجل الديمقراطية والتقدم الناها بنت مكناس من الحكومة التي أصبحت عملياً حكومة الحزب الواحد .

ولم يقبل النظام تقديم أي تنازل في ما يخص طلب تأجيل الانتخابات الذي تقدمت به منسقية أحزاب المعارضة، لترد هذه الأخيرة باتجاه التصعيد فقرر أغلبها مقاطعة التجديد الجزئي للشيوخ، لتترك الحزب الحاكم يسابق نفسه في المضمار، ما قد يشكل خريطة متجانسة تضعف الآلة التشريعية وتوهن من الديمقراطية .

التصعيد

وإذا كان الرئيس ولد عبدالعزيز أوكل لرئيس الوزراء مولاي ولد محمد الأغظف مهمة الحوار مع المعارضة، فإن اللقاءات التي تمت حتى الآن مع بعض أطراف المشهد السياسي المعارض، لم تفلح في إقناع المراقبين بوجود إرادة لتجاوز الاحتقان السياسي .

وقد أبرق المعارضون للنظام برسالة واضحة حول نيتهم التصعيد إذا رفض الحوار حول جميع الملفات الخلافية، بما فيها ملف الانتخابات، وموقع الجيش من السياسة .

فخلف أبواب موصدة يجري الحديث عن خطط جاهزة للتصعيد من طرف قوى المعارضة، ليس أقلها خطورة قرار النزول للشارع إلى جانب شباب 25 فبراير والنقابات العمالية .

ورغم دخوله في إجراءات التسكين، كتمويل برنامج استعجالي لتحسين الوضع المعيشي، والوعد بتشغيل 17 ألف عامل، ومحاربة الفساد، وتقريب الإدارة من المواطنين، وإنجاز سلسلة المشروعات التنموية لمصلحة الفقراء، والاستجابة لبعض أصحاب المظالم، فإن الرئيس الموريتاني لا يعترف بوجود أزمة في البلاد، كما أن حزبه الحاكم يعتبر أن الموريتانيين أنجزوا ثورتهم قبل تونس ومصر بإزاحة نظامي ولد الطايع وولد الشيخ عبدالله والاحتكام إلى انتخابات شفافة وحرة تحت إشراف المجتمع الدولي .

ويرى مقربون من الرئيس عزيز أن الجعجة الحالية في الشارع لا تتجاوز محاولة من المعارضة للدخول في الحكومة من أي باب أو نافذة، أو الحظوة باهتمام معنوي رسمي يتيح لها العمل كشريك ملموس في الاستحقاقات الانتخابية .

ويعتبرون أن محاولة المعارضة استغلال الحراك النقابي والشبابي الحالي في الشارع لاستنساخ أوضاع مشابهة في البلدان الأخرى هي محاولة محكوم عليها بالفشل، نظراً لأن هدفها هو التغطية على إنجازات النظام الذي لم يمض عليه سوى 18 شهراً ويقوده رئيس شاب .

تبدأ معالجة أية مشكلة بتشخيص الداء والاعتراف بوجود خلل ما، وفي هذه الحالة لا يبدو أن النظام الموريتاني، وفق تعبير أحد المعارضين، تلقى الدرس بعد حتى يفهمه أو يعيه، وتلك مسألة تزيد من احتمالات الخطر .

ولكن حتى إذا حقق الثوار هدفهم ونجحوا في توسيع دائرة الاحتجاج النقابي والشبابي لتشمل قطاعات أوسع، فإن العديد من المراقبين يرون أن أقصى ما يمكن أن يطال نظام ولد عبدالعزيز في هذه الحالة هو تقديم تنازلات ولو مؤلمة لا غير .

ذلك أن ولد عبدالعزيز، المدعوم بقوة عربياً وغربياً، والذي حصل خلال الشهر الحالي على مليارات الأوقية من التمويلات الخارجية، بينها 120 مليون دولار الأسبوع الماضي فقط، مدعوم بقوة من أوساط اجتماعية وقبلية لها القدرة الكاملة على المناورة، كما برع حتى الآن في إبعاد الشرائح الأكثر فقراً عن الشارع كسكان أحياء الصفيح، كما لديه مجموعة من أخطر العقول الأمنية في تاريخ البلاد، وهي العقول التي بنت نفوذها على الخبرة في إدارة التناقضات الاجتماعية لمصلحة الدولة والنظام عبر المكافآت من جهة، وضرب القوى الاجتماعية والقبلية بعضها بعضاً .

ثم إن ولد عبدالعزيز، يزداد موقعه وتأثيره لدى الجيش يوماً بعد آخر، وقد تمكن بالفعل خلال الفترة الماضية من رفع رواتب الجيش وتحسين وضعه المادي والمعنوي .

ولعل ما يثبط المناوئين الساعين لثورة تطيح النظام هو شعورهم بحتمية مواجهة المؤسسة العسكرية عكس ما وقع في تونس ومصر .

بل لا يخفي قيادي بارز في المعارضة الموريتانية مخاوفه من أن ولد عبدالعزيز، الجنرال الذي يسري في عروقه دم الدبابات، لن يقبل التنازل عن السلطة بأي ثمن، ويقول لم يقبل ولد عبدالعزيز التنازل سنة 2008 حين لم تكن لديه سوى ورقة إقالته من وظيفته، فكيف به اليوم ولديه ورقة رئيس منتخب .

ومع ذلك يراهن هذا القيادي على قدرة أي حراك اجتماعي منذ ثورة تونس على قلب الموازين والمعطيات الميدانية لكن في موريتانيا كيف؟ الله أعلم .

في هذه الأثناء يستمر نزيف أقلام الكتاب والمثقفين الموريتانيين المعارضين في تعزيز الحراك السياسي والشبابي والاجتماعي والنقابي المناوئ، سابغين كل أوصاف الديكتاتورية على النظام .

وقال أحد هؤلاء الكتاب مخاطباً الرئيس الموريتاني إن نظامه هو في الحقيقة نتاج واستمرار ثلاثة عقود من حكم العساكر، نزعته فردية عاتية ونهجه استبدادي صريح، وطريقة إدارته للبلاد ارتجالية وخطابه شعبوي يتعمد التدليس والتضليل، له زبانية هرمية الشكل شرهة دعائمها من المقربين ولبناتها من الحلفاء وذوي المصالح، وله كتيبته الأمنية المحكمة التنظيم والتدريب والتسليح، وله حزبه الأخطبوطي الذي تمركز في شتى مفاصل الدولة ودس عيونه في كل مكان كي لا تفوته ظاهرة ولا تخفى عليه خافية .

لا تزال موريتانيا على مسافة معقولة من الثورة، وقد تهيئ الاضطرابات والاحتجاجات الحالية لمرحلة أدق من المساومات والتسويات من تحت الطاولة، لكن معظم المراقبين هنا في نواكشوط متأكدون من صعوبة المعركة القادمة بين نظام عرف بالمناورات ومعارضة بدأت تعزف على وتر التغيير أو الرحيل .

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"