الذيد واحة ساحرة وسط رمال ذهبية

تتميز بوجود حصن وقلعة تاريخية
14:19 مساء
قراءة 6 دقائق
الشارقة بكر المحاسنة:

تعتبر منطقة الذيد التابعة لإمارة الشارقة من المناطق ذات الطبيعة الساحرة، نظراً لما تتمتع به من مقومات طبيعية، فجوها معتدل صيفاً ويميل إلى البرودة في مواسم هطول الأمطار، إضافة إلى موقعها وسط الكثبان الرملية ذات الارتفاعات المختلفة والمحيطة بعدد من واحات أشجار النخيل والسمر و الغاف البرية مما يشكل مناظر تبهر الناظرين، وتسر العين والقلب وتريح النفس.

تمتلك منطقة الذيد أهمية تاريخية كبيرة منذ القدم حيث تزخر بوجود العديد من المواقع التاريخية المهمة التي تدل على البعد الأثري للمنطقة وتعبر عن حياة الأهالي الذين سكنوها منذ آلاف السنين، ومن أبرز تلك المواقع قلعة الذيد التاريخية والتي كانت تسمى «قلعة القواسم» والمحيطة بعدد من الحصون القديمة، إضافة إلى وجود عدد من الأفلاج القديمة التي تعود لمئات السنين وعدد من قنوات المياه القديمة التي كانت تستخدم لسقي المزروعات.

تمتاز المنطقة التي عاش فيها الأهالي من قبيلة الكتبي والطنيجي والخواطر بعراقة أرضها وأصالة أهلها الطيبين، واعتمدوا في معيشتهم قديماً وبشكل أساسي على تربية الإبل والماشية وزراعة بعض أشجار النخيل وتجارة النباتات والحطب وصناعة السخام «الفحم» وبعض منتجات الماشية من صوف وسمن وغيرها، وذلك من خلال الرحلات التجارية إلى أسواق الشارقة ودبي بواسطة تحميل الجمال بتلك المنتجات والارتحال بها إلى الأسواق.
وجميع سكان المنطقة أهل بداوة ومعظمهم من القبائل ذات الجذور العربية الأصيلة يعيشون في مساكن شعبية حديثة بنيت بعد قيام الاتحاد، والبعض يسكن فللاً سكنية بمكرمة من صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة، وما زال يحتفظ الأهالي بالعادات والتقاليد العربية الأصيلة المتوارثة عن الأجداد والآباء.
«الخليج» زارت منطقة الذيد ذات الطبيعة الصحراوية الخلابة وكانت السطور القادمة.

في البداية التقينا بالوالد خليفة سيف خليفة الطنيجي أبو سيف نائب رئيس المجلس البلدي بمدينة الذيد وقمنا بجولة للتعرف الى المعالم التاريخية والحضارية والطبيعية للمنطقة وتوجهنا إلى موقع حصن وقلعة الذيد التاريخية والذي يخضع إلى عمليات إعادة التأهيل والترميم بناء على توجيهات صاحب السمو حاكم الشارقة.

وحدثنا الطنيجي عن الحصن والقلعة قائلاً: يعد من أقدم المباني التاريخية والأثرية في المنطقة ويعود تاريخه لمئات السنين ويتضمن الحصن أبراجاً دفاعية كانت تستخدم للدفاع عن المنطقة وحراسة المزارع في تلك الأيام، كما يوجد بجانب القلعة فلج مياه قديم وبقايا مسبح ومجرى مياه قديم، كما كان يستخدم الحصن لعقد الاجتماعات بين شيوخ القبائل ومندوبي الدول المجاورة.
ويشير إلى أن الحصن بني في عهد الشيخ صقر بن خالد القاسمي 1883 وهو أحد حكام إمارة الشارقة وكانت قلعة الذيد من القلاع التي تم رفع علم القواسم عليها، مؤكداً أن حصن قلعة الذيد الذي أمر مؤخراً صاحب السمو حاكم الشارقة بإعادة ترميمه وتأهيله ليكون مزاراً للسياح والزوار من مختلف أنحاء العالم، يمثل تاريخ المنطقة وأهلها، ومبنياً من الطين المطعم بالحصى الجبلي والحجارة وسعف النخيل، وبطريقة هندسية تدل على مهارة وإبداع الأولين في البناء.
محمد مضعد بن هويدن الكتبي رئيس المجلس البلدي بمدينة الذيد يقول: الحياة القديمة في منطقة الذيد كانت صعبة وقاسية نظراً لطبيعة المنطقة الصحراوية القاسية ولعدم وجود مصادر رزق متعددة حيث كان مصدر رزق الأهالي الزراعة بأنواعها وخاصة التمور ونبات الأعلاف وبيعه، إضافة إلى رعي وتربية الماشية وتربية الإبل وجمع الحطب وصناعة الفحم «السخام»، وكان سكن الأهالي في بيوت الشعر والخيم أو بيوت العريش التي تقام في مواسم القيض في مزارع وظلت حياة الأهالي قائمة على هذا النمط حتى قيام الاتحاد، ومنذ ذلك التوقيت تغيرت الحال في الذيد من كافة الجوانب، حيث بنيت المساكن الشعبية الحديثة والفلل، وتعبدت الطرق ووصلت كافة الخدمات للمنطقة، مضيفاً أن منطقة الذيد تحظى باهتمام خاص من صاحب السمو حاكم الشارقة حيث بتوجيهاته وزياراته المستمرة للمنطقة تحولت الذيد من منطقة نائية إلى مدينة متحضرة ومتطورة تتوافر فيها كافة الخدمات حيث بدعمه السخي انتشرت الفلل الحديثة، كما تعبدت الطرق الداخلية والخارجية للمنطقة حتى أصبحت معظم الطرق ممهدة ويسهل على المواطنين والزائرين التنقل عبرها والوصول إلى مختلف المواقع بالمنطقة، كما انتهت المعاناة التي عرفها أجدادنا بانتشار المدارس الحكومية وقرب المستشفيات الحكومية والعيادات الخاصة.
كما شهدت منطقة الذيد حالياً تطوراً كبيراً عمرانياً واقتصادياً واجتماعياً وعلمياً واضحاً، حيث يوجد فيها مجلس بلدي وبلدية ومستشفى الذيد الحكومي ومركز شرطة الذيد ومركز دفاع مدني ومكتب بريد مركزي ومركز التنمية الأسرية والاجتماعية ومركز الذيد للفنون، إضافة إلى نادي الذيد الرياضي والثقافي والعديد من الدوائر والمؤسسات الحكومية البنوك والمكاتب والمحال التجارية، كما تتوافر المدارس الحكومية للبنين والبنات لكافة المراحل العمرية.
الوالد محمد سلطان بن هويدن الكتبي يحدثنا عن منطقة الذيد في الماضي يقول: قبل قيام الاتحاد، كما كان يخبرني والدي ووالدتي، كان الفقر يخيم على المنطقة وكذلك الاستعمار وكانت تجارة اللؤلؤ قد تأثرت سلبياً باكتشاف اللؤلؤ الصناعي، أما الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية في ذلك الوقت كانت سيئة جداً ولم يكن هناك مستشفيات ولا سيارات ولا بيوت مبنية من الطين أو الأسمنت، وكانت بيوت الأهالي في الشتاء عبارة عن خيم مصنوعة محلياً من الصوف «بيوت الشعر»، أما البيوت الثانية للمصيف هي العريش المبنية من سعف النخيل ومع ذلك كانت مدينة الذيد خضراء وجميلة حيث لم يكن هناك سيارات وغبار أو تلوث والحياة بسيطة ولا يوجد فيها عناء ولا تكلف ولا مسؤوليات التي نعيشها في عصرنا الحالي، ومرت السنين ونحن لا نعرف شيئاً عما حولنا من العالم ولم يكن هناك أجانب في المنطقة، فقط السكان المحليين والكل منا يعرف الآخر.
وعن التعليم في الماضي يقول: كان يعتمد على المطوع إذ يقوم بإقامة حلقات لتعليم قراءة القرآن الكريم وتعلم الأحرف الأبجدية وعرفنا كيف نلفظ الحرف ثم دخلنا المدارس في بداية الستينات حيث تم افتتاح المدارس النظامية في المدن الكبرى وعام 1964 تم افتتاح أول مدرسة نظامية في المنطقة الوسطى بالذيد بناها المرحوم سلطان بن علي بن عويس وأصبح هناك 360 طالباً وطالبة في المدرسة خلال 3 سنوات، أما المدرسون كانوا من البحرين وإماراتيين اثنين فقط وكانت الدراسة محببة لدى الكثير من الطلبة.
وعن أثر قيام الاتحاد في هذا الواقع يقول: بدأت الأمور تتغير حيث سمعنا الأخبار عن قيام دولة الإمارات وسوف يكون هناك انسحاب للمستعمر وأعلن قيام دولة الإمارات عام 1971 في 2 ديسمبر قبل الساعة 12 ظهراً وتم رفع علم الاتحاد وفرح الناس وعمل الحكام جاهدين لرفعة شأن هذه الدولة.

كثبان رملية

يرى راشد بن هويدن الكتبي أن المناطق الداخلية للذيد تتميز بالهدوء وجوّها النقي، كما تتميز بوجود المناظر الطبيعية الصحراوية المتمثلة بالكثبان الرملية ذات الرمال الذهبية.

وأوضح أن أهالي الذيد لا يزالون يحافظون على العادات والتقاليد العربية النابعة من البداوة، حيث يتميزون بالشجاعة والكرم والطيبة وحب الوطن والولاء له وللقيادة الحكيمة.

تنوع المحاصيل

مصبح بن جاسم بن عبيد الطنيجي يقول: تشتهر منطقة الذيد منذ القدم بتنوع المحاصيل الزراعية ذات الجودة العالية نتيجة لتوافر المياه العذبة ولجوها الجميل الذي يساعد كثيراً على انتشار المزارع الخضراء وعلى الإنتاج الزراعي الوفير كأشجار النخيل وأشجار السدر وبعض الخضراوات المتعددة، وعرفت منذ القدم بأنها أرض الزراعة وأرض المياه.

وأضاف الطنيجي: اعتمدنا منذ القدم في معيشتنا على رعي الإبل وتربيتها وتأجيرها لنقل المؤن والحطب ونباتات الأعلاف التي تسمى «البطائح»، كما اعتمدنا على تربية الأبقار والأغنام، كما كنا نبيع مواليدها وألبانها وكان البعض يعتمد على جمع الحطب لحرقه لإنتاج الفحم وبيعه، حيث كان الحطب في الماضي يكثر الطلب عليه من التجار في أسواق المدن، وما زلنا حتى وقتنا الحاضر نقوم بتربية الإبل والمواشي ونقوم بالعديد من المهن القديمة التي ورثناها عن الآباء والأجداد.

مقصد سياحي

أوضح علي سعيد أن منطقة الذيد ساحرة ذات طبيعة خلابة وسط الرمال الذهبية، وأصبحت مقصداً سياحياً، خاصة في أيام العطلات ونهاية الأسبوع، يتوافد إليها هواة المغامرات من الشباب العرب والأجانب الذين أدركوا قيمة الطبيعة وجذبتهم التلال الرملية ليجرّبوا مهاراتهم في قيادة سيارات الدفع الرباعي، وكانت المغامرة لا تخلو من الخوف، خاصة لمن يخوضها للمرة الأولى. وأضاف: تتميز المنطقة بإقامة العديد من الفعاليات الترفيهية والتراثية، وأبرزها سباق الهجن والعديد من الفعاليات التراثية التي تقام في القرية التراثية الموجودة في المدينة والتي تجذب العديد من أهالي المنطقة والمناطق المجاورة والزوار من كل أنحاء الدولة.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"