حبي للطب جعلني أتحمل الغربة 14 عاماً

د . حواء المنصوري مبتكرة أنبوب القسطرة المتميز:
06:06 صباحا
قراءة 10 دقائق

حوار: مريم عدنان
عرفها مجتمع الإمارات خلال القمة الحكومية الثانية التي انعقدت خلال فبراير/ شباط الماضي في دبي عندما قدمها سمو الشيخ منصور بن زايد آل نهيان نائب رئيس مجلس الوزراء وزير شؤون الرئاسة في احدى الجلسات كنموذج إماراتي للطالبة المجتهدة التي استفادت من بعثات الدولة . حصلت على أعلى الشهادات العلمية من أعرق الجامعات العالمية، ما أهلها للانطلاق في المجال الطبي، واختراعها أول أنبوب قسطرة يمكن تثبيته في الجسم بشكل دقيق ورؤيته من خلال جهاز الأمواج المغناطيسية حصل على براءة اختراع في أمريكا، وهي أول طبيبة غير أمريكية تتخرج في مجال الدراسات العليا من كلية الطب في جامعة جورج واشنطن في الولايات المتحدة الأمريكية . إنها الدكتورة حواء سعيد الضحاك المنصوري، صاحبة الشخصية المتواضعة البعيدة عن التعقيد والمثابرة الطامحة إلى الأفضل، وتالياً نص الحوار معها:
* هل تحدثيننا عن طفولتك؟
- ولدت في أبوظبي في السادس من أغسطس /آب 1981 ويصادف هذا اليوم ذكرى عيد جلوس المغفور له بإذن الله الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان رحمه الله وتوليه مقاليد الحكم في إمارة أبوظبي، في بناية يملكها جدي بمنطقة الخالدية في أبوظبي، وهذه المنطقة هي منطقتي المفضلة في أبوظبي حتى الآن بالرغم من التغيرات الكثيرة التي طرأت عليها فقد عشت فيها الكثير من ذكريات الطفولة الجميلة، حتى أني عندما عدت للعيش في دولة الإمارات العربية المتحدة بعد عودتي من الولايات المتحدة الأمريكية استأجرت شقة في المنطقة نفسها التي ولدت بها ومازلت أتذكر حديقة الخالدية التي كنت أذهب للعب فيها أنا وأبناء الجيران .
* أيهما تفضلين تفاصيل الحياه اليوميه في الإمارات قديماً أم حديثاً؟
- أحب الإمارات بكل مراحلها فلكل مرحلة ميزتها ولكن أكثر الأشياء التي أفتقدها في وقتنا الحالي العلاقات الاجتماعية فقديماً كنا نلاحظ أن العلاقات الاجتماعية أقوى مما هي عليه الآن ولم يكن هناك خوف من التعرف على أشخاص جدد أما الآن فقد كثر الناس وقلت العلاقات وفي المقابل كثرت الفعاليات والنشاطات الحياتية ومظاهر الازدهار والتقدم وظهرت معها مشكلة إيجاد مواقف للسيارات نتيجة كثرة الرفاهية والعمار فقد أصبحت دولة الإمارات تجمع بين المحافظه على الماضي والحرص على التطور والازدهار في جميع المجالات وبين طبيعة البلد العربي الشرقي .

ضغوط أسرية

* حدثينا عن علاقتك بأسرتك؟
- أنا وحيدة والدي، والدتي من أصول تشيكيه وحصلت على الجنسية الإماراتية العام 1977 بعدما تزوجت والدي سعيد المنصوري وهو من عائلة بدوية تقليدية وأنا فخورة بهذا الشيء، في بداية زواجهما كان من الصعب أن تتقبل عائلة والدي زواجه من والدتي لكن جدتي كانت دائماً تساند والدتي وأصبحت بينهما علاقة قوية جداً، وعندما أصبح عمري 8 سنوات انفصل والدي عن والدتي نتيجة كثرة المشكلات بينهما وانتقلت للعيش مع والدتي حيث واجهتنا الكثير من الضغوط سواء نفسية أو مادية، لكن الدولة لم تقصر معنا ودعمتنا مادياً .
* هل أثر انفصال والديك في علاقتك بوالدك؟
- نعم للأسف أثر الانفصال في علاقتي بوالدي بشكل كبير ففي بدايته كنت أتواصل معه بشكل أسبوعي ومن ثم توقفت عن رؤيته لكثرة مشاكله الشخصية وآخر مرة تواصلت معه فيها كنت في العاشره من عمري، وبعد فترة قلت علاقتي مع أهل والدي، وأتمنى لو أن علاقتي بهم أفضل مما هي عليه الآن حيث شعرت بسعادة كبيرة عندما أبدى قريب لي من قوم الضحاك فخره بي عندما كنت في القمة الحكومية كما وصلني أن هناك أشخاصاً من عائلتي أبدوا إعجابهم بما حققته وهذا يشعرني بسعادة وفخر كبيرين حيث لدي الكثير من الذكريات الجميلة مع عائلة والدي فقد كنت أزور عمتي وأبناءها باستمرار وأذكر جيداً جدتي عندما كانت تجلس أمام بيت الطين في الثمانينات وكنت أجلس إلى جانبها .

بعثة تحقيق الحلم

* أين تلقيت تعليمك على مدار المراحل التعليمية المختلفة؟
- درست في أبوظبي حيث كانت المرحلة الابتدائية في مدرسة الخنساء، والمرحلة الإعدادية في مدرسة فاطمة بنت مبارك وتخرجت في مدرسة القادسية وأكملت دراستي الثانوية في الفرع العلمي بمعدل يزيد على 92% وهو الرقم الذي غير منهج حياتي وفتح لي الكثير من الأبواب، وأتذكر أني كنت أنتظر الإعلان عن النتيجة أنا ووالدتي وبكينا من الفرح بعد إعلانها علماً بأني حصلت على علامات مرتفعة في كل المواد باستثناء مادة اللغة العربية، وبعد ذلك قدمت أوراقي إلى كلية الطب بجامعة الإمارات في العين وتم قبولي للدراسة فيها، إلا أنني أثناء جلوسي في المنزل تلقيت اتصالاً هاتفياً من مكتب بعثات صاحب السمو رئيس الدولة وأخبروني بأنهم سيبتعثون أول دفعة لاستكمال الدراسة الجامعية، واستدعوني لإجراء مقابلة، ثم اقترحوا لي دراسة علم الجينات لكني كنت مصممة على دراسة الطب حتى لو خسرت البعثة وتقبلوا رغبتي وابتعثوني لدراسة الطب في الولايات المتحدة الأمريكية .
* ما سبب تفضيلك دراسة الطب على دراسة علم الجينات؟
- عملي كطبيبة هو حلم راودني منذ الصغر ولطالما تمنيت أن أصبح طبيبة لرغبتي الشديدة في التواصل مع المرضى ومساعدتهم مع العلم بأني قمت بإجراء بحث في علم الجينات إلا أني أشعر بأن عطائي في تخصص الطب أفضل من عطائي في غيره من التخصصات .
* حدثينا عن دراستك للطب في أمريكا؟
- استغرقت دراستي للطب في أمريكا أربعة عشر عاماً من 1999 لغاية ،2013 حيث يشترطون الحصول على بكالوريوس في تخصص آخر قبل القبول في كلية الطب، فحصلت على شهادتي بكالوريوس في علم النفس وعلم بيولوجية الأعصاب وذلك في العام ،2004 كما قمت أثناء دراستي لهذين التخصصين بإجراء بحث في علم الجينات في جامعة ميرلاند مع رئيسة المختبر في الجامعة، وعملت معها في البداية كمساعدة في المختبر ومن ثم حصلت على دعم مادي يقدم لمحبي البحوث من الطلبة المميزين، وقمت بإجراء بحث في مختبر الجامعة حول تسلسل جين معين من خلال فحص الجين في مجموعة من العينات، وبعدما أنهيت البحث كتبت ورقة عمل للبحث وقدمتها لأربعة علماء أجمعوا على أن البحث صالح للنشر مما سهل علي الحصول على مرتبة الشرف العالي في العلم البيولوجي، وزاد ذلك ثقتي بنفسي على الرغم من أني لم أنتظر الحصول على شيء بل قمت بالبحث لتعلقي الشديد بالعمل البحثي، وهذا كله كان قبل تقديمي لكليات الطب حيث إنه لابد من القيام بعمل تطوعي في مستشفى، وإجراء بحوث علمية، والحصول على علامات مرتفعة للحصول على الشهادة، وكل ما سبق ما هو إلا تمهيد لبداية المشوار الدراسي في جامعة جورج واشنطن .

صعوبات جمة

* وكيف تم قبولك في كلية الطب في جامعة جورج واشنطن؟
- قدمت أوراقي إلى 31 كلية طب في الولايات المتحدة الأمريكية، أجابتني 30 منها بعدم وجود مقاعد دراسية للأجانب وحينها بدأت بتجهيز أوراقي للسفر لاستكمال دراستي في أوروبا حتى جاءني رد بالقبول من جامعة جورج واشنطن من بين 9 آلاف طالب تقدموا للجامعة في ذلك العام، وتم السماح ل 900 منهم بإجراء مقابلات ومن ثم تم قبول 150 طالباً فقط .
تخرجت في العام 2008 وكنت أول طبيبة غير أمريكية تتخرج في مجال الدراسات العليا من كلية الطب في الجامعة، ثم أكملت دراستي في مجال الطب الباطني وتدربت لثلاث سنوات في المستشفى الجامعي التابع لجامعة جورج واشنطن حيث كنت مسؤولة عن فريق طبي في السنتين الثانية والثالثة وكنت أعمل من 30 إلى 40 ساعة بشكل متواصل داخل المستشفى حتى حصلت على درجة الدكتوراه في الطب الباطني، وحصلت على زمالة جورج واشنطن في علم الهرمونات بعد دراسة استمرت نحو عامين، إلى جانب حصولي على البورد الأمريكي في مجال الأمراض الباطنية .
* ماذا عن الصعوبات التي واجهتك خلال دراستك الطب في أمريكا؟
- واجهتني الكثير من الصعوبات خلال 14 عاماً من الغربة في أمريكا فعلى الرغم من أن مكتب بعثات صاحب السمو رئيس الدولة لم يقصر في متابعتي ومساعدتي مادياً وشخصياً إلا أنني افتقدت المساعدة الأكاديمية حيث أني كنت الطالبة العربية الوحيدة في كلية الطب ولم أكن أعلم الشروط والمتطلبات الجامعية وكان من الصعب الوصول إلى تلك المعلومات، أما فيما يتعلق بالشعور بالغربة فلم أكن أشعر بذلك في البداية نتيجة حماسي الشديد للدراسة ولكن بدأت أشعر بالغربة 6 سنوات تقريباً وازداد احساسي بالغربة مع كل يوم قضيته بعيداً عن وطني .
* حدثينا عن عودتك مرة أخرى إلى أمريكا بعد اتمام دراستك الجامعية؟
- بعد سنوات من العناء الدراسي والغربة عدت إلى بلدي، ومرة أخرى تلقيت دعماً غير محدود من القيادة الرشيدة برئاسة صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس الدولة حفظه الله حيث شجعني سمو الشيخ منصور بن زايد آل نهيان نائب رئيس مجلس الوزراء وزير شؤون الرئاسة، على العودة إلى أمريكا ومواصلة أبحاثي العلمية والطبية وتم توفير الدعم المطلوب، وتمكنت من اختراع أنبوب قسطرة بمواصفات مميزة يركب عادة في وريد المريض لإدخال المحاليل والسوائل إلى الجسم، ويمكن وضعه بشكل دقيق في الجسم بحيث يمكن رؤيته بوضوح عند تثبيته في الجسم عبر جهاز التصوير بالأمواج الصوتية مقارنة بأنبوب القسطرة الحالي المصنوع من مادة خام والذي لا نستطيع رؤيته من خلال جهاز الأمواج الصوتية لتحديد مكانه ما قد يؤدي إلى الكثير من المضاعفات إذا تم وضعه في أماكن غير صحيحة في الجسم .

براءة اختراع

* كيف استطعت تصنيع أنبوب القسطرة؟
- ذهبت إلى المكان الذي يتم فيه تصنيع القسطرة القديمة وبمساعدة مهندسين اثنين تم التوصل الى مادة من نوع خاص تم استخدامها في تصنيع انبوب القسطرة الجديد تمتاز بامكانية رؤيتها عبر الأمواج الصوتية، وحصلت على براءة اختراع من الولايات المتحدة على هذا الاختراع حيث أسست شركة في أمريكا اسمها "سنوستيك" لإنتاج هذا النوع من القسطرة الطبيه، وبعد عودتي إلى وطني الإمارات في 31 أغسطس/ آب الماضي تلقيت الدعم من سمو الشيخ منصور بن زايد آل نهيان لمواصلة إنتاج هذا الاختراع، والخطوة المقبلة هي الحصول على موافقة إدارة الغذاء والدواء الأمريكية على الاختراع الجديد لتسويقه عالمياً حيث تشترط انتاج من 50 إلى 100 قسطرة في أمريكا واختبارها لإعطائي الموافقة، وأخطط لإنشاء شركة إماراتية بأياد إماراتية لانتاج القسطرة في الإمارات وتسويقها عالمياً .
* ماذا اضافت إليك تجربة الدراسة والغربة؟
- علمتني دراستي للطب المسؤولية والدقة وقللت من اهتمامي بالتفاصيل الحياتية الصغيرة كما علمتني أن أعيش الحياة ببساطة بعيداً عن التعقيد، وعززت شعوري بأن كل الأشخاص سواسية بعيداً عن جنسياتهم أو لونهم أو وضعهم المادي، وأن الشيء الوحيد الذي يميزهم هو أخلاقهم، فمخافة الله هي الأساس، كما أن غربتي زادت من قدرتي على المواجهة والتعبير عن رأيي وقللت ثقتي بالآخرين .
* ما طموحاتك على صعيد العمل؟
- بدأت العمل حالياً في مركز امبريال كوليدج لندن للسكري في أبوظبي، وهو المركز المتخصص في متابعة وعلاج مرضى السكري وفق أحدث الأساليب العلمية المطبقة عالمياً، وأطمح إلى أن أتعلم كيفية إدارة أعمال الطب من مختلف النواحي التي تشمل التأمين والأدوية، كما أتمنى أن أنقل تجربتي إلى غيري ممن يود دراسة الطب في الخارج، وأن أكون على قدر الثقة التي منحتني إياها الدولة .

تعويض ما فات

* وماذا عن طموحاتك على صعيد الحياة الشخصية؟
- أطمح إلى أن أجد شريك حياة يتفهم طبيعة عملي وأن أكون أماً ناجحة وقادرة على ترك أثر ايجابي في أبنائي وتنشئتهم بشكل صحيح حيث إني أخاف من مسؤولية الأمومة أكثر من خوفي من الجراحة والطب، فقد حان الوقت لأن أعوض ما فاتني من الحياة الشخصية التي أهملتها نتيجة تركيزي على الجانب الأكاديمي .
* قدوتك في الحياة؟
- أمي هي قدوتي في الحياة فقد عانت الكثير من أجلي وشاركتني جميع لحظات الحزن والفرح وعززت من ثقتي في نفسي ومن حبي للعلم فهي الدافع الأساسي لما وصلت له، وهي من علمني الاعتماد على النفس حيث أتمنى أن أستطيع مواجهة الحياة كما واجهتها أمي وأن أكون بقوتها وثقتها وأن أكون قدوة لأبنائي في يوم من الأيام .
* برأيك ما سر النجاح؟
- النجاح يبدأ بوجود فرصة سواء كانت من الدولة او الأهل ويتبعها الدافع ووجود هدف إلى جانب عدم الخوف من شيء فلتحقيق أهدافنا لابد لنا من السعي والتجربة وتقبل لحظات الفشل في بعض الأحيان والتعلم منها وتحدي كل الصعوبات والعقبات التي تواجهنا فإذا أردنا الوصول إلى شيء ما فيجب أن نؤمن بقدرتنا على ذلك .
* كيف تقضين وقت فراغك؟
- أحب ممارسة الرياضة وركوب الخيل حيث أذهب إلى نادي أبوظبي للفروسية لركوب الخيل يومين في الأسبوع فركوب الخيل يعطيني إحساساً جميلاً جداً ويخفف من مشاق العمل، كما أحب السفر مع والدتي، فلقد سافرت إلى 50 دولة حتى الآن، وأفضل السفر إلى براغ عاصمة التشيك والتي لقبت بجوهرة أوروبا لعدم تعرضها للقصف أو الدمار خلال الحرب العالمية حيث مازالت تتمتع بأصالتها القديمة وأشعر فيها بأنني في القرن الخامس عشر خاصة عندما يقومون بمهرجانات ويرتدون ملابس قديمة تجعلها تبدو كقصص الخيال، إلا أنني أفضل العيش في دولة الإمارات لسهولة الحياة فيها وبعدها عن التعقيد .
* ما المواقف المحزنة التي واجهتها في حياتك؟
- أسوأ ذكرياتي تتعلق بفترة انفصال والدي ووالدتي فقد مررت بمواقف صعبة جداً أثرت في حياتي بشكل سلبي حتى الآن، ولحظات ذهابي مع والدتي إلى المحكمة مازالت مغروسة في ذاكرتي،إضافة إلى الظروف المادية السيئة التي مررنا بها أنا ووالدتي بعد الانفصال وعلى الرغم من حرص والدتي على تجنيبي تلك المواقف إلا أني لم أنسها حتى الآن .
* وماذا عن المواقف المفرحة في حياتك؟
- أهم موقف مفرح في حياتي كان في حفل التكريم الذي نظمه مكتب صاحب السمو رئيس الدولة حفظه الله تحت رعاية سمو الشيخ منصور بن زايد آل نهيان نائب رئيس مجلس الوزراء وزير شؤون الرئاسة للخريجين المبتعثين، حيث لم أحضر أي حفل تخريج لي خلال دراستي الجامعية فقد قام سموه بتكريم كل خريج بنفسه وكنت أول اسم تم الإعلان عنه حيث حصلت على أعلى درجة أعلن عنها على المنصة، كما غمرتني السعادة عندما قام سمو الشيخ منصور بن زايد آل نهيان بتقديمي كنموذج إماراتي للطالبة المجتهدة التي استفادت من بعثات الدولة، خلال جلسته في القمة الحكومية .

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"