سيدي الذوق.. حارس باب الفتوح

قصته حافلة بالطرائف
01:31 صباحا
قراءة 3 دقائق
القاهرة محمد رمزي:
يرقد مقام سيدي الذوق في حضن باب الفتوح، مثل طفل رضيع على صدر أم رؤوم، ليروي بقبته الخضراء الصغيرة للعابرين، واحدة من أطرف القصص الشعبية، التي لا يزال كثير من المصريين يتداولونها حتى اليوم، رغم عمرها الضارب في عمق التاريخ، حيث يرجع تاريخها لأكثر من سبعمئة عام.

ويتداول كثير من العجائز في منطقة باب الشعرية، قصة «حسن الذوق» بفخر شديد، ولسان حالهم يردد تلك الحكمة الشعبية، التي صارت مثلاً: «الذوق مخرجش من مصر»، ويقول هؤلاء إن القصة حقيقية وإن الرجل كان يعيش في تلك المنطقة إبان مدة الحكم المملوكي، حيث كان يعمل بالتجارة بمنطقة الحسين، إلى جانب كونه أحد فتوات المحروسة في ذلك الوقت.
كان الفتوات يتولون في تلك المرحلة التاريخية مهمة الفصل في شؤون العامة، والتحكيم بينهم في مشاكلهم، فيما كان يسمى بالمجلس العرفي، وكان حسن الذوق مثالاً للرجل القوي ذي العقل الرزين والخلق الكريم، وكان دائما ما يحتكمون إليه لفض المنازعات والخلافات التي تقوم بين أهالي المحروسة، أو عندما يتجاوز أحد الفتوات ويعتدي على الأهالي فيتكفل الذوق برده عن غَيِّه.
وتقول القصة إن مشاجرة كبرى نشبت ذات يوم بين فتوات المنطقة، وأوقعت هرجاً ومرجاً شديدين فحاول «حسن الذوق» أن يتدخل لفضها والصلح بين المتشاجرين، ولكنها كانت المرة الأولى التي يفشل فيها الذوق في الصلح بين المتخاصمين، وترتب على ذلك أن وصل الأمر إلى الحاكم الذي لم يعجبه ما يقوم به الفتوات من أعمال، فقضى بأن يوضعوا في السجون، وهو ما لم يعجب الذوق فتصدى للحاكم، وألقى عليه كلاماً شديد اللهجة، انصرف الذوق بعده من مجلسه مستشعراً الحرج، وتولد لديه إحساس بأن مكانته قد تهاوت، وفي طريق عودته لمنزله جاءه خبر بنية الحاكم في التنكيل به، لما بدر منه في مجلسه، فلم يجد الذوق بداً من الخروج من المحروسة تجنباً للصدام، ولإحساسه بعدم أهميته بعد الموقف الأخير.
وتقول القصة إن الذوق عزم بالفعل على الخروج ليلاً من القاهرة، لكن روايات مختلفة تحكي عن تلك الواقعة، فهناك من يذهب إلى أن الرجل كان حزيناً ومهموماً مما آل إليه حاله، ومن ألم فراقه للمحروسة، فلم يكد يتجاوز بوابة الفتوح حتى سقط ميتاً على بعد خطوات منها، وهناك من يذهب إلى أنه وجد البوابة قد أغلقت ليلا، فقرر المبيت أسفلها لحين فتحها بالصباح الباكر، فتوفي وهو جالس ينتظر.
تجمهر أهل المحروسة في الصباح بعد اكتشافهم وفاة الذوق، وقد حزنوا على فراقه حزناً شديداً، وقرروا أن يدفنوه في مكان وفاته، فتم دفنه خلف الحجاب الخشبي لباب الفتوح، وأقام الناس عليه ضريحاً صغيراً دهنوه باللون الأخضر، شأنه في ذلك شأن العديد من الأولياء والعارفين من أهل التقوى والفلاح.

لا يزال العديد من سكان الجمالية وحي النحاسين يتداولون شذرات من تلك القصة التي جرت قبل نحو سبعمئة عام، ويلونونها حسب أهوائهم، ومنها ما يقوله الحاج محمود سعيد أحد تجار شارع المعز، من أن الذوق حدثت بينه وبين الحاكم مشكلة، نظراً لكونه معارضاً للحكم، فترتب على ذلك نشوب خلاف بينهما فقرر الحاكم إعدامه، وعلى أثر ذلك قرر الذوق الرحيل ليلاً ليهرب من بطش الحاكم، فوجد البوابة مغلقة فقرر المبيت أسفلها إلى أن وجده الناس متوفى في الصباح، فقرروا دفنه مكان وفاته تكريماً له، ويضيف الحاج محمود: كان الذوق يسكن بمنطقه تدعى «حوش عطية» وتقع خلف حارة الأصفر بمسافة يسيرة.
الحاج منير أبو خليل أحد قاطني الجمالية منذ الأربعينات، يفخر كثيراً بأنه شارك في أعمال الحفر التي تمت من هيئة الآثار، أسفل الضريح وقت الترميمات، ويقول إن أعمال الحفر التي تمت أسفل الضريح لم تسفر عن العثور عن أي رفات، ما ينسف القصة المتداولة من أساسها، وهو يقول عن ذلك: أعمال الحفر وصلت لعمق خمسة عشر متراً، مما استدعى من القائمين التوقف لعدم تهديد المنطقة بالانهيار، لكن رئيس الحي قال إن الحكومة تدرس بناء مسجد باسم الشيخ الذوق تكريماً لذكراه.
يتصدر ضريح سيدي الذوق الجهة اليمنى من باب الفتوح، وهو أول ما يصافح الزائر للباب الذي كان مخصصاً لخروج الجيوش للفتح والدفاع عن ديار المسلمين، وقد كان باب الفتوح أحد الأبواب الثمانية التي صممت لإحكام تأمين قاهرة المعز، حيث أنشئ الباب في العام 480 هجرية، وتميز بأبراجه المشيدة من الحجر الجيد، حيث تبرز ثلث الكتلة البنائية خارج الأسوار، أما الثلثان الباقيان فيقعان داخل المدينة.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"