شهادة الأقارب

عالم متجدد
04:19 صباحا
قراءة 3 دقائق
د. عارف الشيخ

قسم الفقهاء الشهادة إلى قسمين:
شهادة تحمّل وشهادة أداء، ثم اشترطوا في الشاهد الأهلية وعدم التهمة، فمن الأهلية البلوغ والعقل والحرية والبصر والنطق والضبط والإسلام والعدالة، ولا يكون محدوداً في قذف.
كما اشترطوا فيه عدم التهمة، وقد قال الإمام القرافي من المالكية: «أعلم أن الأمة مجمعة على رد الشهادة بالتهمة من حيث الجملة، لكن وقع الخلاف في بعض الرتب، والتهمة ثلاثة أقسام: مجمع على اعتبارها لقوتها، ومجمع على إلغائها لضعفها، ومختلف فيها هل تلحق بالرتبة العليا أو بالرتبة الدنيا فلا تمنع»، (انظر الفروق للقرافي ج 4 ص 72).
وذهب العز بن عبدالسلام من الشافعية إلى مثل ذلك التقسيم فقال بتقسيم التهمة إلى ثلاثة أقسام: تهمة قوية موجبة لرد الحكم والشهادة، وتهمة ضعيفة غير معتبرة كشهادة الأخ لأخيه والصديق لصديقه، وتهمة مختلف في رد الشهادة والحكم بها، (انظر قواعد الأحكام ج 2 ص 36).
وفي هذا القسم الأخير حسب توزيع العز للتهم، اختلف الفقهاء في عدة مسائل: مثل شهادة العدو لعدوه، وشهادة القريب لقريبه.
ففي شهادة العدو لعدوه قولان عن الأئمة:
القول الأول إن شهادة العدو على عدوه غير مقبولة، وقد ذهب إلى هذا أكثر أهل العلم، منهم ربيعة والثوري ومالك والشافعي.
وحجة القائلين بالمنع قول الرسول صلى الله عليه وسلم: «لا تجوز شهادة خائن ولا خائنة، ولا زان ولا زانية، ولا ذي غمر على أخيه» (والغمر: الحقد) (رواه أحمد وأبو داوود).
والمروي عن شريح القاضي قوله: «مضت السنة في الإسلام أنه لا تجوز شهادة خصم».
واستدلوا أيضاً بأن العداوة تورث التهمة، فتمنع الشهادة مثلما تمنع القرابة القريبة الشهادة.

والقول الثاني: هو قبول شهادة العدو لعدوه، وقد ذهب إلى هذا القول أبو حنيفة وابن حزم وحجتهما أن العداوة لا تخل بالعدالة فلا تمنع الشهادة كالصداقة.
لذلك فإن ابن حزم يقول: «من شهد على عدوه نظر، فإن كان تخرجه عداوته له إلى ما لا يحل فهي جرحة فيه ترد شهادته لكل أحد وفي كل شيء، وإن كان لا تخرجه عداوته إلى ما لا يحل فهو عدل يقبل عليه»، (انظر المحلى ج 6 ص 510).

وقد استدل ابن حزم على ترجيح قوله بما هو أقوى وهو الاستدلال بالآية الكريمة: «ولا يجرمنكم شنآن قوم على أن لا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى واتقوا الله إن الله خبير بما يعملون» (الآية 8 من سورة المائدة).
ووجه الاستدلال أن الله أمرنا بالعدل مع أعدائنا، فصح أن من حكم بالعدل على عدوه أو صديقه أو لهما أو شهد وهو عدل على عدوه أو صديقه أولهما، فشهادته مقبولة وحكمه نافذ.
وأما في شهادة القريب لقريبه فهناك قولان أيضاً:
القول الأول: إن شهادة الوالد لولده لا تقبل، ولا تقبل شهادة الولد لوالده سواء علا أو سفل.
وهذا القول ينسب إلى شريح والحسن والشعبي والنخعي ومالك والشافعي والحنفية وظاهر مذهب الحنابلة.
واستدل المانعون بحديث الرسول صلى الله عليه وسلم: «لا تجوز شهادة خائن ولا خائنة ولا ذي غمر على أخيه ولا ظنين في قرابة ولا ولاء» (والظنين: المتهم، والأب يتهم لولده) (رواه أحمد وأبو داوود).
وقالوا أيضاً: إن بينهما بعضية فكأنه يشهد لنفسه، كما أن كتاب عمر إلى أبي موسى الأشعري جاء فيه: «المسلمون عدول بعضهم على بعض إلا مجلوداً في حد أو مجرباً عليه شهادة زور أو ظنيناً في ولاء أو في قرابة».
والقول الثاني: هو جواز شهادة الأقارب، وقد روي هذا القول عن عمر وكثير من الصحابة، وقد شهد علي كرم الله وجهه لفاطمة رضي الله تعالى عنها عند أبي بكر الصديق رضي الله تعالى عنه، وهو قول الظاهرية، وتروى عن أحمد روايتان: الأولى تقبل شهادة الابن لأبيه وليس العكس، لأن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: «أنت ومالك لأبيك».
والرواية الثانية تقبل شهادة كل منهما لصاحبه فيما لا تهمة فيه كالنكاح والطلاق والقصاص والمال إذا كان مستغنى عنه (انظر المغني لابن قدامة ج 10 ص 186، والمبدع ج 10 ص 243).

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"