“إسرائيل” تتغلغل في آسيا الوسطى

02:33 صباحا
قراءة 6 دقائق

على الرغم من وقوع جمهوريات آسيا الوسطى الخمس (أوزبكستان، وكازاخستان، وطاجيكستان، وتركمانستان، وقيرغيزستان، وأذربيجان) ضمن الهوامش الجغرافية لإسرائيل فإنها من نوعية الهوامش التي تعلو أهميتها السياسية والاقتصادية والأمنية هامشيتها الجغرافية . لذلك لن يكون مستغرباً أن تهتم إسرائيل وهذه الجمهوريات بهذا الهامش الإقليمي لكل منها باعتباره خط الدفاع الأول عن المصالح القومية لها .

* أولاً: الأبعاد السياسية والاقتصادية للتعاون بين جمهوريات آسيا الوسطى وأذربيجان وإسرائيل وتقييمها .

حرصت إسرائيل على إقامة علاقات دبلوماسية مع هذه الجمهوريات الست عقب انهيار الاتحاد السوفييتي، حيث بدأت في العام 1989 بإعادة تشكيل الهيكل التنظيمي لوزارة الخارجية الإسرائيلية، الذي ضم لأول مرة قطاعاً كاملاً باسم قطاع شرق أوروبا ودول الكومنولث، وقد توصل مسؤولون إسرائيليون مع ممثلين لهذه الجمهوريات إلى اتفاقات مشتركة بشأن إقامة العلاقات الدبلوماسية بينهما؛ وتحتفظ إسرائيل حالياً بعلاقات دبلوماسية على مستوى السفارة مع أربع جمهوريات، هي: أذربيجان وكازاخستان وقيرغيزستان وأوزبكستان، في حين تحتفظ بعلاقات دبلوماسية على مستوى البعثة غير الدائمة التي يمثلها إما سفير إسرائيل في دولة مجاورة مثل طاجيكستان، أو سفير بالخارجية الإسرائيلية الذي يمارس مهام عمله من مقر الخارجية الإسرائيلية بالقدس كما في حالة تركمانستان .

وفي خلال الفترة الممتدة بين عامي 1992 و،2012 قام المسؤولون في الطرفين بالتوقيع على عشرات الاتفاقيات في مجالات: الزراعة والسياحة والثقافة وجذب الاستثمار ومنع الازدواج الضريبي وتخفيض الجمارك، والتعاون الفني . . . وغيرها، فضلاً عن الجولة الخارجية السنوية التي يقوم بها وزير الخارجية الإسرائيلية لهذه الجمهوريات، علاوة على قيام إسرائيل بتنظيم مؤتمر سنوي يفد إليه وزراء المياه في هذه الجمهوريات للتباحث حول اقتصادات التعاون الزراعي والمائي المشترك مع إسرائيل .

ويثور التساؤل حول أثر هذه العلاقات الدبلوماسية بين إسرائيل والجمهوريات الست على قضايا الصراع العربي الإسرائيلي في الشرق الأوسط .

ولكي نكتشف مدى هذا التأثير بعد مضي أكثر من عشرين عاما على إقامة العلاقات الدبلوماسية بين إسرائيل ودول الكومنولث، قمت في دراسة تم نشرها بمركز الدراسات الآسيوية جامعة القاهرة في عام 2007 بتحليل أنماط تصويت هذه الجمهوريات الست وإسرائيل ومصر على القضايا الخاصة بالشرق الأوسط، والتي نوقشت أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة في الدورة التاسعة والخمسين 2004-2005؛ وخلصت في هذه الدراسة إلى أن هناك توافقاً في التصويت بين تلك الجمهوريات والدول العربية بشأن القرارات ذات الطبيعة التأكيدية والمقررة للحقوق العامة للسوريين بالجولان في تقرير المصير، وجلاء إسرائيل عن الأراضي المحتلة والسيادة الدائمة للفلسطينيين على مواردهم وممتلكاتهم، وضرورة التوصل إلى تسوية سلمية للقضية الفلسطينية، ورفض جميع الإجراءات الإسرائيلية التي اتخذتها إسرائيل بشأن القدس وتقديم المساعدة إلى اللاجئين الفلسطينيين، وقد وصلت درجة الاتفاق في التصويت بين الجمهوريات الست والدول العربية حول هذه القضايا إلى نسبة 100% .

ويمكن تبرير هذا الرفض من قبل الجمهوريات الست إلى استمرار قناعة مسؤوليها بأن السياسة الإسرائيلية تحمل بعداً أيديولوجيا يقوم على فكرة التوسع واحتلال أراضي الغير بناء على عقيدة أو منطق ديني . علاوة على ما سبق، فإن إسرائيل لا تملك إطاراً مؤسسياً جماعياً يضمها مع هذه الجمهوريات على غرار تركيا أو إيران أو روسيا، وقد يكون غياب هذا الإطار الجماعي سبباً في هشاشة تفاعلات إسرائيل بدول المنطقة التي يرتبط أغلبها مع الدول العربية من خلال عضوية منظمة التعاون الإسلامي، ما يجعلها وثيقة الصلة بقضايا العالم الإسلامي، ومن أبرزها الصراع العربي الإسرائيلي .

أما بشأن التعاون الاقتصادي بين هذه الجمهوريات وإسرائيل فالسؤال المطروح هو: هل حققت الاتفاقيات والزيارات والمؤتمرات السابق بيانها جدواها الاقتصادية؟ الإجابة تكمن في حجم التبادل التجاري بين الطرفين خلال فترة العشرين عاماً السابقة، وبالرجوع إلى التقرير الإحصائي السنوي لاتجاهات التجارة الدولية، الذي يصدر عن صندوق النقد الدولي Direction of Trade Statistics Yearbook نكتشف تدني حجم ونسبة الواردات والصادرات الإسرائيلية من وإلى هذه الجمهوريات، حيث تراوح حجم الواردات الإسرائيلية في الفترة بين عام 1998 و2008 بين 21 مليون دولار في عام 1998 و27 مليون دولار في عام 2008 بنسبة أقل من 30%من إجمالي واردات إسرائيل الخارجية، ولم يختلف الأمر كثيراً في قطاع الصادرات الإسرائيلية للجمهوريات الست التي لم تزد على 28 مليون دولار في عام 1998 و45 مليون دولار في عام 2008 أي بنسبة أقل من 22%من إجمالي صادرات إسرائيل الخارجية .

* ثانياً: البعد الأمني في الوجود الإسرائيلي بآسيا الوسطى وأذربيجان .

صاغ خبراء الأمن والتخطيط الاستراتيجي في إسرائيل نظرية ما وراء الأفق لتكون محور استراتيجية إسرائيل في القرن الحادي والعشرين، التي ترمي إلى خلق نفوذ إسرائيلي في المناطق النائية عن حدود الجوار القريب، تحسباً لمجابهة التهديدات المستقبلية ضد الدولة الصهيونية من جانب الدول الإسلامية غير العربية (إيران القوقاز آسيا الوسطى) البعيدة عن متناولها .

لذا حظيت قضية التنسيق الأمني مع دول آسيا الوسطى وأذربيجان بأهمية خاصة في السياسة الأمنية الإسرائيلية، خاصة مع تجاور هذه الدول مع روسيا وإيران (التي ينظر إليها قادة هذه الجمهوريات، خاصة رؤساء أذربيجان وكازاخستان وتركمانستان، باهتمام، كما هو الحال في إسرائيل) اللتين تعدان تهديداً لأمن إسرائيل، علاوة على حيازة بعض هذه الجمهوريات المواد والأسلحة النووية والعلماء المتخصصين في المجال النووي، وتزايد مخاوف إسرائيل من أن تسرب هذه الجمهوريات أسلحة نووية لدول معادية لها بالشرق الأوسط خاصة بعد إعلان الرئيس الأسبق حسني مبارك في نوفمبر/تشرين الثاني ،1998 رفضه عرضاً من إحدى هذه الجمهوريات ببيع أسلحة وقنابل نووية لمصر .

وقد شكل تزايد مخاوف هذه الدول، ذات النظم العلمانية، من تنامي المد الإسلامي في المنطقة، خاصة بعد انتشار الأصولية المتطرفة التي انتهجها نظام طالبان في أفغانستان، واشتعال الحرب الأهلية في طاجيكستان في خريف عام ،1992 مجالاً جديداً للتنسيق الأمني بين هذه الدول وإسرائيل التي قامت بتصوير المد الإسلامي باعتباره عدواً مشتركاً بين إسرائيل وهذه الدول؛ لذا تم تدعيم التعاون الاستخباري بين الطرفين لمكافحة المد الإسلامي، حيث بدأت إسرائيل في أواسط التسعينات تنفيذ برنامج لتدريب رجال المخابرات في تلك الدول على أساليب مكافحة الإرهاب ونقل الخبرة الإسرائيلية إليها .

وسرعان ما تدعم هذا التنسيق الأمني بعد أحداث 11 سبتمبر/أيلول 2001 تحت إشراف الولايات المتحدة، وقد كشفت نشرة عسكرية إسرائيلية في العام 2003 النقاب عن وجود خبراء عسكريين إسرائيليين في بشكيك عاصمة قيرغيزستان للمساعدة على إنشاء وتدريب قوة تدخل سريع لمحاربة الحركات الإسلامية وتتكون من أربع فرق عسكرية من روسيا وقيرغيزستان، وكازاخستان وطاجيكستان .

وكذلك إبرام الشركات الإسرائيلية التابعة للصناعات الجوية صفقات تسليح مع كازاخستان وأذربيجان وأوزبكستان شملت إصلاح طائرات الميغ والسوخوي والدبابات طراز تي التي تستعملها هذه الجمهوريات، إضافة إلى تزويد إسرائيل هذه الدول بأنظمة دفاع للسجون وأقسام الشرطة ومنشآت عسكرية واستراتيجية، وقد وصل إجمالي هذه الصفقات إلى أكثر من 15 مليار دولار خلال الفترة من عام 2000 إلى عام 2010 . يضاف إلى ذلك قيام شركة سابيتون ليميتيد الإسرائيلية القابضة بشراء مجمع تسيليفيا للتعدين والكيمياء في كازاخستان في عام ،1999 وهو أكبر مجمع لمعالجة اليورانيوم الخام في العالم، حيث يعالج ما بين 130 و150 طنا من خام اليورانيوم شهرياً، أي ما يبلغ 1560-1800 طناً سنوياً، وبلغت قيمة الصفقة 36 مليون تنجي كازاخي، أي ما يعادل 12 مليون دولار فقط، وهو ما يساوي عائد مبيعات إنتاج المجمع في عام واحد . وإلى جانب ذلك استفادت إسرائيل من قاعدة بايكونور الفضائية الكازاخية في إطلاق أكثر من قمر صناعي، كان أولهما قمر صناعي إسرائيلي للأبحاث العلمية والاتصالات تم إطلاقه في يوليو/تموز 1998 بواسطة صاروخ روسي .

مجمل ما سبق يكشف لنا عن أن إسرائيل بتحركاتها المكثفة في منطقة دول آسيا الوسطى وأذربيجان بصدد إكمال حلقات طوق جيواستراتيجي يحيط بالدول العربية من جميع الجهات، ومن ثم تبدو الحاجة ملحة لتحرك عربي مدرك لخطورة التوجه والسعي الإسرائيلي الحثيث لتغيير الواقع الجيواستراتيجي الموجود في الشرق الأوسط واستحداث ترتيبات جديدة تصب في المصلحة الإسرائيلية فقط . ولا يغير من التوجه السابق التمسك بحجة أن تصويت هذه الدول في الأمم المتحدة مازال في جانب القضايا العربية الذي يمكن إرجاعه إلى تفضيل أغلب هذه الدول الاقتداء بنمط التصويت لروسيا الدولة الكبرى التي تسعى إلى استعادة دورها السياسي العالمي من خلال الانغماس في قضايا المنطقة، خاصة بعد اندلاع ثورات الربيع العربي .

* باحث وأكاديمى مصري

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"