الروسي الذي صدق شعبه

03:53 صباحا
قراءة دقيقتين
عبد اللطيف الزبيدي

هل قليل أن يظل بوتين رئيساً حتى 2036؟ لقد صار يطاول رموز أنظمة طبائع الاستبداد. لكن، لا يقاس زيد بزيد. «المجتمع الدولي» طار فرحاً حين ورث بوريس يلتسين السوفييت، فمحا آثار دكتاتورية البروليتاريا، وسلم التركة المتهالكة للغرب. تكفي مقولة تاتشر عن جورباتشوف: «لقد اشتغلنا عليه أربعين سنة». هذا دليل على شدة بأس الروس، وإلا فإن الخريطة العربية خرطوها بوعد على ورقة، في عام اندلاع الثورة الروسية. هنالك سرعان ما هب في وجوههم «أبو الشوارب» ستالين، فأقام الستار الحديدي، فشبت بسوس الحرب الباردة. أما العالم العربي، فظل على الدوام في كل الميادين، كأوراق الخريف، تتساقط، حتى في الربيع تتناثر.

هل الاقتصاد تقدم؟ الصناعة والزراعة؟ التعليم والبحث العلمي؟ الموسيقى والسينما والمسلسلات؟ أما السيادة فالستر واجب، يكفي ما يدعيه البعض في التاريخ الموازي، أن الرشيد وقف في الشرفة سنة 2003 قائلاً لسحابة: «أمطري حيث شئت فخراجك لهم».

من حال دون محو الشآم؟ حلم القياصرة تأخر تحقيقه بالوصول إلى المياه الدافئة. حققه الفراغ الجيوسياسي الذي سببه العرب، وليس مطلع القرن العشرين أوله ولا آخره. المهم هو أن رئاسة يلتسين سرعان ما تبخرت فرحتها، فقد برز نجم بوتين فكان طالع نحس للغرب، وطالع سعد لشعبه. يذكر الناس جميعاً الانهيار الاجتماعي الأخلاقي الذي ضرب الشخصية الروسية. كيف هي اليوم؟ كيف استطاع الاقتصاد الروسي أن يضمد جراحه العميقة فتلتئم إلى حد معقول؟ هل من السهل تحقيق تكافؤ نسبي في القوة يحفظ ماء وجه شعب يحمل إرث التزارات والإمبراطورية السوفيتيية؟

هل من التجني القول إن ماء وجه الشعوب شيء لم يخطر قط على خاطر النظام العربي، وإلا لكان العمل الدؤوب طوال أكثر من قرن يجعل العرب بكل ثرواتهم ونفوسهم، في مصاف أعظم الأمم؟ بوتين لم ينتظر قرناً، في لمح البصر غير روسيا. لكن الحقيقة هي أنه غيّر الدنيا. الأباطرة الثلاثة الأخيرون في الإمبراطورية، هذه آثارهم في بلاد العرب تشهد على «أياديهم»: «وأنّا نورد الرايات بيضا.. ونصدرهن حمرا قد روينا». كلمة صدق للإنصاف عدلاً: لولا ذلك الرجل الروسي، وذلك الرجل التنيني الهادئ من ورائه، لكانت الأرض الآن إرباً إرباً.

لزوم ما يلزم: النتيجة الحقانية: كيف لا تنتخب أكثرية الروس بوتين، ولو لعشرات السنين؟

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"