الأمل المعقود على الاتحاد الإفريقي

04:19 صباحا
قراءة 3 دقائق
محمود الريماوي

حل أزمة سد النهضة التي طال أمدها تمثل تحدياً إيجابياً للاتحاد الإفريقي؛ إذ ليس أمامه سوى المضي قدماً في نزع فتيل التوتر والتقريب بين الفرقاء.

حين قال هيرودوت قبل سبعة قرون إن «مصر هبة النيل»، فإنه لم يفترض، بل استبعد منطقياً أن سداً في إحدى دول المنبع سوف يحرم مصر من جزء كبير من هذه الثروة المائية، وسوف يحرم دولة أخرى من جزء من هذه الثروة هي السودان. وإذا كانت القوانين التي تنظم حقوق الدول من الأنهر الدولية لا تستند بالضرورة إلى آراء مؤرخين ومفكرين، إلا أنها تنظم هذه الاستفادة بصورة متوازنة، بالاستناد إلى حقائق الجغرافيا ووقائع التاريخ، وكذلك إلى مقاصد الانتفاع المشترك بهذه الثروة، بما يحول دون وقوع مظالم وتعديات ونزاعات. ولأمد طويل دارت مباحثات مصرية إثيوبية بمشاركة السودان أحياناً لتقريب وجهات النظر وضمان عدم تضرر أي طرف، كما جرى في قمة ثلاثية في مارس 2015 استضافتها القاهرة وخرجت بعشرة مبادئ ملزمة تضمن التعاون الدائم بين الأطراف الثلاثة وحل النزاعات بصورة سلمية وعدم إلحاق الضرر بأي طرف.

وأمام التطورات المقلقة بشأن الاستمرار في بناء السد على مقربة من الحدود مع السودان، فقد نظمت الولايات المتحدة والبنك الدولي لقاءً مصرياً إثيوبياً سودانياً في يناير من العام الجاري، خرج بستة مبادئ تضمن عدم تحول السد إلى مشكلة للدول الأخرى، غير أن أديس أبابا اتهمت واشنطن بالتحيز بعدما وافقت على رعايتها للقاء، وهو ما وسع دائرة الاهتمام الدولي بالمسألة التي انتقلت إلى أروقة مجلس الأمن، فيما تقدم الاتحاد الإفريقي متأخراً للعب دور الوسيط باعتبار القضية إفريقية في الأساس.

كان لتدخل الاتحاد القاري نتائج أولى مبشرة، بعد فترة ساد فيها التشاؤم. ففي يوم 27 يونيو الماضي دعا الاتحاد إلى لقاء قمة مصغرة لرؤساء الدول الأعضاء بهيئة مكتب رئاسة الاتحاد الإفريقي عبر تقنية الفيديو كونفرانس. وقد انعقد هذا الاجتماع بالفعل، وخرجت عقبه تصريحات سودانية ومصرية تؤكد أن إثيوبيا أرجأت ملء خزانات السد الذي كان مقرراً في مطلع يوليو الجاري، وأنه تم التفاهم على أن هذه الخطوة سوف تنفذ بعد اتفاق الأطراف الثلاثة وليس قبل ذلك، ووفق متحدث باسم الرئاسة المصرية فقد تم التفاهم في القمة المصغرة على «تشكيل لجنة حكومية من الخبراء القانونيين والفنيين من مصر والسودان وإثيوبيا، إلى جانب الدول الإفريقية الأعضاء بهيئة مكتب رئاسة الاتحاد الإفريقي، وكذا ممثلي الجهات الدولية المراقبة للعملية التفاوضية، بهدف الانتهاء من بلورة اتفاق قانوني نهائي ملزم لجميع الأطراف بخصوص قواعد ملء وتشغيل سد النهضة». وهذه تطورات إيجابية بالفعل. إذ إن الاعتراضات المصرية والسودانية لا تقوم ضد استفادة إثيوبية من النيل الأزرق في التنمية الاقتصادية وبالذات توليد الكهرباء، لكن التحفظات تدور حول عدم أخذ حقوق الأطراف الأخرى في الاعتبار.

الأجواء الإيجابية السائدة وإن بحذر، يكفلها الاتحاد الإفريقي الذي أدرك أن هذا النزاع إذا استمر وتفاقم، سوف يسمم العلاقات الإفريقية، ويفتح الباب أمام احتداد النزاعات وكذلك أمام التدخلات الخارجية، وسوف يورث الأجيال القادمة رواسب سلبية من الجفاء والعداء، كما سوف يضعف من وزن الاتحاد الذي يضم 55 دولة ويمتلك العديد من الهيئات والمؤسسات التي تنظم عمله بما يجعله إحدى أهم المنظمات القارية في العالم.

ولا محاجّة كما سبقت الإشارة بأهمية السد لإثيوبيا، التي عانت لفترات طويلة الجفاف وتراهن على الرفع من شأن الزراعة لتحقيق الأمن الغذائي وتحسين ميزان الصادرات إضافة الى كهربة البلاد، غير أنه من الشطط التبخيس من حقوق الآخرين، أو تصوير المسألة على أنها قضية داخلية محلية محضة، مع السعي إلى اكتساب الشعبية عبر النفخ في المشاعر الوطنية وتأجيجها، وخاصة في هذه الفترة التي تسودها نزاعات عرقية ومنافسات سياسية محمومة بين الفاعلين السياسيين. إذ إن مسألة الإفادة من نهر النيل، تمثل نموذجاً للتعاون المنشود بين دول المنبع والمصب، وبحيث يصبح هذا النهر العظيم عامل تقريب كما تمليه أحكام الجغرافيا، ولأهمية هذا النهر فقد سمي أحد عشر بلداً إفريقياً ببلدان حوض النيل، كما هو الحال مع دول حوض البحر المتوسط مثلاً. وفي المحصلة فإن حل هذه المسألة التي طال أمدها تمثل تحدياً إيجابياً للاتحاد الإفريقي، إذ ليس أمامه سوى المضي قدماً في نزع فتيل التوتر والتقريب بين الفرقاء.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

كاتب ومعلق سياسي، قاص وروائي أردني-فلسطيني، يقيم في عمّان وقد أمضى شطرا من حياته في بيروت والكويت، مزاولاً مهنة الصحافة. ترجمت مختارات من قصصه إلى البلغارية والإيطالية والإنجليزية والفرنسية

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"