نائبة الرئيس تخطف الأضواء

06:18 صباحا
قراءة 3 دقائق

محمود الريماوي

يعتبر اختيار كامالا هاريس، لمنصب نائب الرئيس، من أهم الخطوات التي خطاها المرشح الديمقراطي للرئاسة جو بايدن. فهي سيدة ذات حضور سياسي وقانوني، عضو في مجلس الشيوخ عن ولاية كاليفورنيا، ومدعية عامة سابقة وناشطة في الحزب الديمقراطي ويتأرجح انتماؤها بين الاعتدال واليسار وفقاً للمعايير الأمريكية. والمهم أنها تمثل في الوعي العام الأقليات، وبينما تصنف نفسها بأنها سمراء فهي في واقع الأمر من أصول جنوب آسيوية، لكنها في نهاية المطاف تؤثر تصنيفها باعتبارها أمريكية فحسب.
في واقع الحال وعلى ضوء مقتل جروج فلويد وظهور الاحتجاجات العامة، ضد سلوك الشرطة وما بدا من انحياز الرئيس دونالد ترامب للضبط العام مع إبداء مشاعر تضامن ضعيفة مع السود، فإن انحياز الأقليات وبالذات السود اتجه إلى المنافسين الديمقراطيين.
وثمة أسباب أخرى تجعل هذا الاختيار موفقاً، فكامالا هاريس، خطيبة مفوهة وسجالية من طراز لافت وهي مواهب يفتقدها المرشح للرئاسة بايدن، وبهذا فإنها سوف تملأ فراغاً أو تسد نقصاً في آليات الحملة الانتخابية للديمقراطيين. وعلى الرغم من أن هاريس، سبق أن ترشحت حزبياً للرئاسة أمام بايدن، فإن ذلك لم يمنع الأخير من اختيارها لهذا المنصب، وهي بذلك تعتبر أول امرأة سوداء تترشح لهذا الموقع والمرأة الثالثة في تاريخ الانتخابات الأمريكية بعد كل من الجمهورية سارة بالين والديمقراطية جيرارلدين فيرارو. وقد أتى اختيارها لهذا الموقع في وقت لم يحدد فيه الرئيس ترامب مرشحه لمنصب نائب الرئيس ما منح بايدن سبقاً في مجال المبادرة. ومن المفارقات أن المترشحة لمنصب نائب الرئيس تبدو أكثر وهجاً من المترشح للرئاسة.
ومع هذه المزايا لهذا الاختيار، فإن الطريق ليست ممهدة أمام بايدن ولا أمام ترامب للفوز؛ إذ أن نتائج الاستطلاعات تفيد بتقارب بينهما مع أرجحية طفيفة لبايدن. أما ترامب الذي بدا خلال النصف الأول من ولايته شخصاً غريب الأطوار مع ميل إلى شخصنة الموقع الرئاسي، فإنه نجح في أن يصبح مع الوقت مقبولاً ومألوفاً مستفيداً من كسره الحاجز الرسمي عبر مخاطبة الجمهور بصورة مباشرة في تغريداته. كما استن لنفسه أسلوباً خاصاً به في التعبير عن المواقف الرسمية، بعيداً عن النمط الرصين الذي ظل سائداً لعقود إن لم يكن لقرون في البيت الأبيض.
أما المرشح بايدن، فإنه يستفيد من أخطاء ترامب ومن مناوشاته الدائمة مع المؤسسات ومع الصحافة ومع الانقسامات المجتمعية التي سادت في ولايته، كما يستفيد من النتائج الكارثية لوباء كورونا، وذلك بأكثر من التميز الخاص للمرشح الديمقراطي الذي فاز بترشيح حزبه بعد منافسة شرسة مع المرشح اليساري بيرني ساندرز ومع المرشحة للرئاسة كامارا هاريس. بينما يبدو ترامب بغير منافس له في ترشيحات الحزب الجمهوري، كما لا تظهر في أوساط هذا الحزب تيارات واجتهادات متضاربة كما هو حال الديمقراطيين.
علاوة على ما تقدم فلا شك في أن ترامب قد نجح في تكريس الظاهرة الشعبوية، من موقعه الرئاسي، وقدم نموذجاً جديداً للرؤساء، بصرف النظر عن تقييم هذا النموذج، وأزال الحواجز بينه والجمهور العريض بما في ذلك الفقراء والطبقة العاملة وأبناء الطبقة الوسطى ممن لم يصيبوا حظاً كبيراً من التعليم، علماً بأن الديمقراطيين يتوجهون أساساً لهذه الفئات، إضافة إلى الأقليات والملونين، والنخب السياسية والأكاديمية والثقافية التي تنجذب إلى الديمقراطيين. وقد حافظ ترامب على قاعدته الانتخابية طوال فترة ولايته، وهي تبدو أوسع قليلاً من الولايات التي تقترع عادة للطرف الآخر.
ومغزى ذلك أن تحولات السنوات الأربع الأخيرة، ستنعكس على مجرى الانتخابات، والأكيد أن البلد الكبير يشهد انقسامات لا سابق لها (وهذه الظاهرة لا يمكن أن تحتسب ضمن إنجازات ترامب) ويعرف قلقاً متنامياً على الوظائف ومن تفشي البطالة، وحيرة كبيرة بين ضرورات الاقتصاد ومقتضيات الصحة العامة، بينما هناك نسبة غير محددة من الجمهور ترى أن الجمهوريين والديمقراطيين هم جميعاً يمثلون نظاماً سائداً ومتكرراً منذ أمد طويل، وإن الفروق بينهم ليست كبيرة كما يصورونها. فالمرشحون للرئاسة هم من فئة أصحاب الملايين، والطريق إلى البيت الأبيض مغلق أمام الطبقة المتوسطة وإلى إشعار آخر وهم في هذا يقصون أنفسهم عن مجرى الانتخابات والتأثير في نتائجها.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

كاتب ومعلق سياسي، قاص وروائي أردني-فلسطيني، يقيم في عمّان وقد أمضى شطرا من حياته في بيروت والكويت، مزاولاً مهنة الصحافة. ترجمت مختارات من قصصه إلى البلغارية والإيطالية والإنجليزية والفرنسية

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"