الصين تؤيد فوز ترامب

02:47 صباحا
قراءة 4 دقائق
د.غسان العزي

الحزب الشيوعي الصيني الحاكم يتمنى فوز ترامب على منافسه الديمقراطي جو بايدن وذلك لأنه، بحسب الحزب، يتمتع بميزتين: عدم المصداقية والافتقاد الى الجدارة

منذ وصوله إلى البيت الأبيض شرع الرئيس ترامب بشن الهجوم تلو الهجوم على الصين مكيلاً لها الاتهامات قبل أن يبدأ حرباً تجارية عليها. وقامت معركته الانتخابية على تجريم الصين واعتبارها تهديداً استراتيجياً واقتصادياً لبلاده قبل أن يحملها مسؤولية ما أطلق عليه اسم «الفيروس الصيني» وتحوله الى جائحة ويتهم منظمة الصحة العالمية بالتواطؤ معها فيقرر حجب المساعدات المالية الأمريكية عنها.

رغم ذلك فإن الحزب الشيوعي الصيني الحاكم يتمنى فوز ترامب بولاية رئاسية ثانية على منافسه الديمقراطي جو بايدن وذلك لأنه بحسب الحزب يتمتع بميزتين: عدم المصداقية والافتقاد إلى الجدارة.

إنه تقليد قديم بالنسبة للحزب الشيوعي الصيني أن يحبذ فوز المرشح الجمهوري في الانتخابات الرئاسية الأمريكية. فالرئيس الجمهوري ريتشارد نيكسون هو الذي قام بتطبيع العلاقات مع الصين في العام 1974 التي قام بزيارة تاريخية لها كان قد مهد لها وزير خارجيته هنري كيسنجر بزيارة سرية أتت بعد ما سمي وقتها «دبلوماسية البينغ بونغ». ثم إن الحزب الجمهوري الأمريكي هو تاريخياً أقل اهتماماً من الحزب الديمقراطي بمسألة حقوق الانسان في الصين وغيرها، وهو أكثر براغماتية وواقعية في السياسة الدولية وأقرب الى عقلية البيزنس وهما صفتان تريحان النظام الصيني في تعامله مع واشنطن.

لقد شن الرئيس الجمهوري بوش الابن حرباً عالمية على الإرهاب بعد هجمات 11 سبتمبر 2001 لكنه اتخذ من الصين حليفاً له في هذه الحرب وليس خصماً فغض النظر عن قمعها أقلية الاويغور المسلمة. وأراد الرئيس الديمقراطي أوباما «احتواء» القوة الصينية الصاعدة عبر مبدأ «الاستدارة نحو آسيا» الذي أعلنته وزيرة خارجيته هيلاري كلينتون في العام 2010، لكن الرئيس الجمهوري ترامب قرر مواجهة الصين وجهاً لوجه عبر رفع التعرفات الجمركية على بضائعها والتنديد بسلوكها التجاري غير المنصف وغير القانوني ومطالبتها بوقف القرصنة الرقمية واحترام حقوق الملكية الفكرية وعدم استخدام عملتها كسلاح تجاري ومحاربة شركة هواوي في مجال الجيل الخامس من الآنترنت.. الخ.

لكن طريقة ترامب هذه في التعامل مع الصين لم تؤت أكلها لأن الصينيين ردوا على كل قرار أمريكي بقرار مضاد مماثل على طريقة العين بالعين والسن بالسن في حرب تجارية سرعان ما تبين أن الجميع خاسرون فيها، خاصة أن البلدين الكبيرين يعيشان وضعاً اقتصادياً صعباً بسبب جائحة كورونا، لذلك قررا «وقف إطلاق نار اقتصادي» مؤقت في شهر يناير/كانون الثاني المنصرم.

صحيح أن ترامب ومؤيديه في الإدارة الأمريكية اختاروا قيادة حملة معاداة للصين هستيرية، لكن في نظر الرئيس الصيني شي جين بينغ يبقى ترامب المرشح الأفضل له بسبب فقدانه الجدارة والتوازن. فعندما استقبل شي نظيره الأمريكي بحفاوة في بكين في نوفمبر/ تشرين الثاني 2017 لاحظ غرور ضيفه المفرط واعتداده بنفسه بشكل مَرَضي.

هذه الأنا المرتفعة كان واضحاً أنها تضعف ذكاء الرجل وقدرته على الحذر وضبط النفس. أخذ شي يمتدح ضيفه إلى درجة أنه أضحى ألعوبة بيده كما يقول أحد المراقبين الذين غطوا هذه الزيارة: «لقد تلاعب الصينيون بالأمريكي». في المقابل رد ترامب على شي بوصفه «أهم رئيس عرفته الصين في تاريخها».

وبالطبع لم يتفوه بكلمة واحدة عن حقوق الإنسان في الصين، بل أكثر من ذلك، كما يقول جون بولتون مستشاره للأمن القومي في حينه، امتدح سياسة سجن مئات الآلاف من المسلمين الإويغور الصينيين وطلب من نظيره الصيني مساعدته في الانتخابات الرئاسية عبر شراء المزيد من السلع والمحاصيل الزراعية من بعض الولايات التي يكثر فيها مؤيدوه. وهكذا كان لا بد أن يشعر شي بالرضا التام بأن رئيس الديمقراطية الغربية الأكبر يعبر عن إعجابه بالاستبداد الصيني.

ويتمتع ترامب أيضاً بميزة أخرى بالنسبة للصين، فهو يمارس سياسته الصينية من دون تنسيق مع حلفائه الأوروبيين والآسيويين الذين يزدريهم ويدير إليهم ظهره. جو بايدن سوف يفعل العكس في ما لو وصل إلى البيت الأبيض، فلن يفكر بمواجهة الصين الا بالتنسيق مع الحلفاء. زهو كسيومنغ، عضو فريق المفاوضات مع واشنطن الذي بات ممثلاً للصين في جنيف قال مؤخراً لوكالة «بلومبيرج»: «إذا انتخب بايدن أظن أنه سيكون أكثر خطورة من ترامب حيال الصين لأنه سيعمل مع حلفاء الولايات المتحدة في حين أن ترامب يدمر تحالفاته». (نيويورك تايمز في 25/6/2020)

وبحسب كريس باتن آخر حاكم بريطاني لهونغ كونغ فإن «ترامب هو نعمة سماوية بالنسبة للصين» ذلك أنه «بدل أن يشكل جبهة مع ديمقراطيات ليبرالية غربية أخرى يهاجم ترامب حلفاءه باسم رؤية حمائية مركانتيلية. ففي رفضه للتعددية يتراجع ترامب في الأمم المتحدة حيث سارعت الصين الى احتلال أمكنة في الصفوف الأمامية. بايدن لن يقدم للصين الهدية المتمثلة بترك المنظمة العالمية للصحة في عز أزمة كورونا»، كما يضيف باتن في مقابلة مع أسبوعية «لوبوان» الفرنسية.

على صعيد آخر يخدم ترامب بروباغاندا الحزب الشيوعي الصيني الإيديولوجية في معركته للحط من قدر الديمقراطية الغربية، ويشرعن الأوتوقراطية السياسية الصينية بسلوكه الأوتوقراطي الفرداني، فيبدو بذلك حليفاً موضوعياً ومرشحاً طبيعياً لهذا الحزب الذي يبدو أنه يرفع الشعار الانتخابي الترامبي: «أربع سنوات إضافية».

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

دكتوراه دولة في العلوم السياسية وشغل استاذاً للعلاقات الدولية والعلوم السياسية في الجامعة اللبنانية ومشرفاً على اطروحات الدكتوراه ايضاً .. أستاذ زائر في جامعات عربية وفرنسية.. صاحب مؤلفات ودراسات في الشؤون الدولية باللغتين العربية والفرنسية.

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"