3 نوفمبر.. يوم حاسم في دبلوماسية المناخ

01:20 صباحا
قراءة 4 دقائق

د. محمد الصياد *


العلاقات العدائية الناشبة اليوم بين الولايات المتحدة والصين، وهما أكبر اقتصادين في العالم وأكبر مُصْدِري الانبعاثات، لا تساعد على إعادة بعث دبلوماسية المناخ.

لم يحظ اتفاق باريس لتغير المناخ (لعام 2015) بأي فرصة للتطبيق، كما أراد له الإجماع الدولي في باريس عام 2015. فكل ما حظي به هو عقد أطرافه مؤتمرها السنوي التالي في مراكش والذي حملت نهاية أعماله نبأ محبطاً لكل المشاركين فيه، وهو فوز دونالد ترامب المناهض لقضية المناخ بمنصب الرئاسة في أمريكا، والذي قام من فوره بالانسحاب من هذا الاتفاق التاريخي؛ لتأتي بعد ذلك جائحة كورونا وتفاقم من أزمة دبلوماسية المناخ التي لطالما شكلت رافعة للدفع قدماً بأهدافها، خصوصاً فيما خص القضيتين المفصليتين وهما التخفيف (خفض انبعاثات غازات الاحتباس الحراري)، والتكيف مع ظاهرة التغير المناخي.

إلى ذلك أيضاً، فإن العلاقات العدائية الناشبة اليوم بين الولايات المتحدة والصين، وهما أكبر اقتصادين في العالم وأكبر مُصْدِري الانبعاثات، لا تساعد على إعادة بعث دبلوماسية المناخ. من هنا يبقى أمل خبراء ولوبيات المناخ العالمية، معلقاً على تاريخ الثالث من نوفمبر 2020، موعد الانتخابات الرئاسية الأمريكية، والتي يعولون فيها على فوز المرشح الديمقراطي جو بايدن بها، وهو الذي تعهد خلال حملته الانتخابية بإعادة عضوية بلاده في اتفاق باريس في اليوم الأول من ولايته. فضلاً عن اختياره عضوة مجلس الشيوخ كمالا هاريس، كمرشحة لمنصب نائب الرئيس، وهي المعروفة بأنها الراعي الأصلي ل«الصفقة الجديدة الخضراء»، والمدافعة عن ما يسمى «العدالة المناخية»، بما في ذلك محاسبة شركات النفط والغاز على انبعاثات الكربون (العدالة المناخية هو مصطلح يستخدم لتأطير ظاهرة الاحتباس الحراري على أنها قضية أخلاقية وسياسية، وليست قضية بيئية أو فيزيائية بحتة، وذلك من خلال ربط آثار تغير المناخ بمفاهيم العدالة، لا سيما العدالة البيئية، والعدالة الاجتماعية، والمساواة، وحقوق الإنسان، والحقوق الجماعية والمسؤوليات التاريخية لتغير المناخ. ولعل أحد أهم الشواغل المتعلقة بالعدالة المناخية ذلكم المتمثل في أن الأشخاص الأقل مسؤولية عن تغير المناخ يعانون عواقبه الجسيمة. أيضاً، فمن شأن تجديد الالتزام الأمريكي بالعمل المناخي، تقويض جهود بعض الدول المتقاعسة عن القيام بأدوارها في مكافحة آثار وعواقب تغير المناخ، مثل البرازيل وأستراليا وغيرهما من الدول التي أصبحت أصواتها أكثر حدة في المفاوضات الدولية في ظل هجمات الرئيس ترامب على قضية المناخ.

ولربما أدى وصول بايدن وهاريس إلى سدة الحكم، إلى إحياء «تحالف الطموح العالي»، السابق للدول التي تضغط للحد من ارتفاع درجات الحرارة العالمية إلى أقل من 1.5 درجة مئوية فوق مستوى ما قبل الصناعة (حوالي سنة 1750)؛ وهو الهدف الرئيسي لاتفاق باريس لتغير المناخ. وإذا ما حدث ذلك، سيجد حلفاء الولايات المتحدة في قضايا المناخ، لاسيما اليابان وأستراليا وكندا، أنفسهم مضطرين لمجاراتها في إعادة الالتزام بالاتفاق. علماً بأن خطة بايدن للتعامل مع تحديات المناخ، تتضمن هدف وصول الولايات المتحدة لاقتصاد الطاقة النظيفة بنسبة 100%، والوصول إلى صافي انبعاثات صفرية في موعد لا يتجاوز عام 2050. والمثير أن موعد الانسحاب الرسمي للولايات المتحدة من اتفاق باريس للمناخ، هو 4 نوفمبر 2020، أي في اليوم التالي لإجراء الانتخابات الرئاسية الأمريكية. وهذا ما يجعل أبصار أنصار ولوبيات قضايا المناخ، شاخصة منذ الآن إلى تاريخ الثالث من نوفمبر المقبل الذي سيكون حاسماً بالنسبة لمصير دبلوماسية المناخ.

لكن حتى لو فاز بايدن، ستبقى هنالك مشكلة، وتتعلق بالعلاقات السيئة بين واشنطن وبكين، وهما أكبر منتجي الانبعاثات في العالم. فلولا اتفاقهما في البيان المشترك الشهير بين الرئيسين الأمريكي باراك أوباما وشي جين بينغ الذي أصدراه قبيل اجتماع باريس عام 2015، لما قُدّر لاتفاق باريس للمناخ أن يرى النور. ومن الواضح أن العداء الأمريكي المستجد للصين يحظى بإجماع الحزبين، ولذا شدد بايدن على أن بلاده ستعمل مع حلفائها على اتباع سياسة متشددة مع الصين في مجالات الاقتصاد وحقوق الإنسان. لكنه في نفس الوقت أعرب عن عزمه السعي للتعاون مع بكين في بعض القضايا ذات المصالح المشتركة، وبضمنها تغير المناخ، والأمن الصحي، ومنع انتشار الأسلحة النووية.

إن وضع دبلوماسية المناخ، كما أسلفنا، ليس على ما يرام؛ فلقد أجبر فيروس كورونا الأسرة الدولية على تأجيل قمة المناخ العالمية أو مؤتمر الأطراف السادس والعشرين (COP26) الذي ستستضيفه مدينة جلاسجو الاسكتلندية، لمدة عام، ليعقد خلال الفترة من 1 إلى 12 نوفمبر 2021، والذي كان من المفترض أن يعطي زخماً جديداً للعمل المناخي مع الدول المتعهدة بطموحات تخفيف أكثر صرامة في أول خمس سنوات من اتفاق باريس. أما وقد فعل كورونا فعلته مع العالم، فحتى الآن لم تتقدم سوى 11 دولة فقط، بمساهمات جديدة محددة وطنياً، المطلوب زيادتها بحلول نهاية العام الجاري 2020. وهي لا تمثل سوى 2.9% من إجمالي انبعاثات غازات الاحتباس الحراري العالمية.

* كاتب بحريني

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"