لبنان.. الأفق المسدود

03:44 صباحا
قراءة 4 دقائق
بيروت - رامي كفوري

حتى أوائل الأسبوع الجاري، لم يكن قد تحقق أي خرق على مستوى ولادة حكومة الرئيس المكلف مصطفى أديب.. ولا يزال الأفق مسدوداً أمام الحلول التي تهاوت الواحدة تلو الأخرى، في ظل الخلاف السياسي الحاد الذي بدأ يتخذ منحى طائفياً حاداً، يغذيه تدخل الخارج، على إيقاع الهواجس والمخاوف.
ثمة من يتوقع أن تُمدد فترة السماح لأديب قبل أن يبلغ مدار الاعتذار الذي يُبقي حكومة الرئيس حسان دياب متربعة على «أريكة» تصريف الأعمال، لأن الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، لا يريد لمبادرته أن تسقط في أوحال خلافات اللبنانيين الداخلية، لأسباب دولية‐إقليمية، وفرنسية تتعلق بمستقبله السياسي.. لأن الفشل يعني دعوة مفتوحة لقوى إقليمية تريد الهيمنة في الحوض الشرقي للبحر الأبيض المتوسط.
وفي أوساط الثنائي الشيعي المعاند، الذي يعتبر أنه مستهدف من خلال ما أسماه «قراءة كيفية للمبادرة الفرنسية التي لم تلحظ المداورة في الحقائب»، كلام عن دور لواشنطن في التصويب على المبادرة وإجهاضها، عبر العقوبات الأمريكية التي طالت الرجل الثاني في حركة «أمل» النائب الحالي، ووزير المال السابق علي حسن خليل، والوزير السابق يوسف فنيانوس «تيار المردة الذي يترأسه سليمان فرنجية». ويرى هذا الثنائي أن الولايات المتحدة سعت، وتسعى لتأليب القوى السياسية لدى الطوائف اللبنانية ضده، وتصويره بأنه يريد إخضاع لبنان لمشيئة إملاءاته، وأن القبول بالتنازل عن حقيبة وزارة المال التي أصبحت «حقيبة ميثاقية» بحسب تحديد الثنائي لها، يعني تنازلاً وجودياً، وحذفاً للطائفة الشيعية من موقع فاعل داخل السلطة التنفيذية، هو حق لها(...)


توتر على خلفية مذهبية


ومع أن الأمر لم يكن كذلك على الدوام، بدليل أن هذه الحقيبة شهدت تداول وزراء من مختلف الطوائف، فإن الوضع مختلف راهناً لأن التوتر السياسي يتصاعد على خلفية مذهبية، والتوتر المذهبي يتصاعد على خلفية سياسية، وهذا التوتر بلغ مداه الأقصى، وبات ينذر بتصدعات وتداعيات خطيرة.
وفي هذا السياق، يوضح مراقبون أنه طالما كان رئيس المجلس النيابي نبيه بري دعامة رئيس الحكومة السابق سعد الحريري، وكان دائماً إلى جانبه يسوّقه لدى حليفه «حزب الله»، ويؤثره على حلفائه السنة الذين امتعضوا و«حردوا» وساقوا إليه الانتقاد، لكن بري لم يلمس هذه المرة رغبة لدى الحريري في ملاقاته إلى منتصف الطريق لنسج حل يخرج البلاد من المأزق، مثلما كانا يفعلان في السابق عندما تشتد الأزمات السياسية..
وينقل هؤلاء المراقبون عن أوساط رئيس البرلمان أن الحريري بدا أنه يريد إخراج الشيعة من المعادلة، وإلغاء الثنائي، وفقاً لاعتبارات داخلية، عربية، ودولية، تُقيّد عليه حركته، وتحمله على طلب المداورة، وألا تكون وزارة المال للشيعة. هذا الاعتقاد أثار حفيظة الرئيس بري، واعتبر ذلك انقلاباً عليه، فكان اللقاء بينهما مؤخراً سلبياً، ومفضياً إلى قطيعة، ما حدا بالنائب بهية الحريري، تداركاً، إلى زيارة بري، كي لا يفسد الخلاف في الود قضية.. والواضح أن رئيس المجلس النيابي يلقى دعم «حزب الله» المطلق الذي جاهر بتولد اقتناع لديه بأن كل ما يحصل يرمي إلى تطويقه، واستفراد الطائفة الشيعية تمهيداً لتهميشه معها، وإمرار بعض المسائل الاستراتيجية كترسيم الحدود، فتأتي النتيجة مخالفة لما كان يتوقع لبنان أن يجني من ثروته النفطية، والغازية. وبالتالي، فإن التشدد سيكون سمة التحرك السياسي والميداني للثنائي الذي بلغت به ردة الفعل إلى رفض اقتراح رئيس الجمهورية العماد ميشال عون، أن تسند حقيبة المالية إلى مسيحي يتولى تسميته بالاتفاق مع الثنائي.


موقف عون


ويشرح مطلعون أن الرئيس ميشال عون لا يريد رعاية حل تشعر فيه أي طائفة بالغبن، خصوصاً الطائفة الشيعية، والذي تربطه بأحد طرفيها علاقة تحالفية وثيقة قائمة على تفاهم مكتوب وموقع من الطرفين، بل إن رئيس الجمهورية، من منطلق حرصه على عدم إفشال مبادرة الرئيس الفرنسي، يعلن عدم رغبته في البقاء طويلاً مع حكومة تصريف أعمال، لا سيما وأنه لم يتبق من عهده إلا فترة سنتين يرغب أن يعوض خلالهما ما بدا من عجز، وما خلفته الأحداث من مطبّات، ومآس.
من جهة أخرى، ثمة اتهامات متبادلة بين الثنائي ورؤساء الوزراء السابقين الذي يريدون من الرئيس المكلف أن يقدم الصيغة التي يتوصل إلى تركيبها، ويدفع بها إلى رئيس الجمهورية ليوقعها، أو يرفضها، لكي يبنى على الشيء مقتضاه، رافضين أي تغيير يؤدي إلى تكريس أعراف جديدة.. والثنائي يتهم الرؤساء السابقين، ولاسيما الحريري، بالخروج عن الميثاقية، وتكريس نهج جديد مع أديب في حكومته المؤقتة، ليكون سلاحاً مع حكومة جديدة برئاسة زعيم «تيار المستقبل» تثبت أعرافاً جديدة على حساب مكون لبناني رئيسي. إضافة إلى أن الثنائي يعتقد أن نهج الحريري المستجد حياله، هو لتقديم أوراق اعتماد له من جديد لدى الخارج الذي يضع «فيتو» عليه في رئاسة الحكومة..


الإحتمالات


تجاه هذا الاحتدام الذي تزكيه تعليقات رئيس «الحزب التقدمي الاشتراكي»، وليد جنبلاط، ورفعت منسوبه عظة البطريرك الماروني، التي تناولت الطائفة الشيعية، ما استدعى رداً مباشراً عليه من مرجعيتها، فإن «السيناريو» المطروح وفق المراقبين هو كالآتي:

١‐اعتذار الرئيس المكلف

٢‐تقديم الرئيس المكلف التشكيلة التي يرتئيها في حال تعذر الاتفاق مع «الثنائي الشيعي»، فإما يرفضها رئيس الجمهورية، وإما يوقعها ويحيلها إلى المجلس النيابي، وإما يمنحها الثقة وإما يحجبها عنها. وهنا تبرز مخاوف جمة، أبرزها أن يغيب نواب الشيعة ال٢٧، ويمتنع رئيس المجلس النيابي عن ترؤس جلسات الثقة، مع ما يرتب ذلك من تداعيات. وهذه قد تكون سابقة تؤشر لمنحى مذهبي خطير.
٣‐في هذه الحال الأخيرة تصبح حكومة «أديب» حكومة تصريف أعمال، وهذا ما لا يرضى به الثنائي الشيعي، فيدفع ممثلي الطائفة فيها على الاستقالة، ما يحمل الرئيس المكلف أديب إلى العزوف، ويفتح الباب أمام تعويم حكومة دياب.
ختاماً، بات واضحاً أن الأزمة، سواء مع حكومة دياب المستقيلة، أو حكومة أديب التي هي في مخاض صعب، والتي لا تزال مجهولة المصير والمآل، ستظل في عز احتدامها حتى موعد الانتخابات الأمريكية، فلبنان، وللأسف، بات بين فكّي كماشة، ولو لم يكن الخارج حاضراً، لما كانت زيارة ماكرون، ولا كانت العقوبات(...)

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"