بيئة منزلية للأطفال تحاكي المجتمع المدرسي

لربطهم بـ «التعليم عن بُعد»
03:28 صباحا
قراءة 6 دقائق
تحقيق: جيهان شعيب

لم تنقطع الإشادة بالتعليم عن بُعد منذ إقراره مع بداية جائحة «كورونا» حتى الآن، مع تواصل شرح أبعاده، إلا أنه مع التأييد شبه الجمعي لهذا النظام التدريسي، فقد ظهرت بعض التحديات التي لا توازي إيجابية النظام، وإن كانت الحلول لتخطيها تتوالى، وتأتي الرؤى التربوية كل يوم بجديد في هذا الصدد، ومنها مؤخراً التعليم الهجين الذي بدأ بالفعل تطبيقه مع بداية العام الدراسي الحالي.
ولكن هناك ثغرة قد تعد الأبرز تتعلق بالتعليم عن بُعد، وتمس تحديداً تلاميذ الصفوف الأولى، لاسيما الصف التاسع فما دون، وتتركز في فقدانهم مفردات الواقع المدرسي، التي كانت تتمثل في احتكاكهم اليومي والمباشر بأقرانهم.


منظومة كفايات


قال د. عيسى صالح الحمادي مدير المركز التربوي للغة العربية لدول الخليج، والمحاضر بجامعة الشارقة: في إطار الأزمة العالمية الحالية، أصبحت الأسرة شريكاً أساسياً في العملية التربوية، وبالتحديد في المهام التي كانت تقوم بها المدرسة قبل الجائحة العالمية؛ حيث أصبحت الآن تقوم بدور المدرسة في متابعة الأبناء، والتزامهم بالحضور للحصص اليومية عن بُعد، وتفاعلهم مع الدروس وغيرها، كذلك تقوم الأسرة في الأزمة الحالية بدور المدرسة في توفير بيئة تعليمية منزلية آمنة، وتلبي احتياجات التعليم عن بُعد للأبناء.
لذا فالأسرة باتت تلعب دوراً أساسياً في العملية التربوية، والتعليم عن بُعد، ومن هنا تأتي أهمية قيامها بمهامها التربوية التعليمية بوعي يقوم على أساس المعرفة والثقافة؛ لمواجهة هذه الظروف والآثار الاجتماعية، والصحية، والنفسية، والتربوية التي نتجت عنها الأزمة الحالية، وكذلك الانعكاسات السلوكية والانفعالات، والمواقف لدى الأبناء؛ من جرّاء هذه الظروف. كذلك تأتي أهمية إعداد منظومة كفايات التربية الأسرية، الإيجابية، وخاصة الكفايات الجسمية، والصحية، والنفسية، والتي تستهدف الأبناء من مرحلة الصف الأول إلى الصف الثاني عشر، كما يجب على المؤسسات المعنية إعداد كفايات تربوية للأسرة؛ لتوعيتها بالتربية الإيجابية في التعامل مع الأبناء؛ عبر تزويدها بالمعلومات التي تتعلق بالأمن الصحي، والغذائي.


تنمية المهارات


وتستدل د. ليلى البلوشي على أهمية دور الأم في متابعة ورعاية الأبناء، بالإحصاءات التي تشير إلى أن الوقت الذي تقضيه الأمهات في رعاية أبنائهن أكثر بعشر مرات من الوقت الذي يقضيه الآباء في رعايتهم، من هنا نرى الحجم والدور الكبير للأم داخل الأسرة، قائلة: تقوم الأم بهذا الدور؛ لتنشئة ورعاية الأبناء، وتشمل الرعاية التعليمية، ويرى الباحثون أن الأم هي مدرسة خاصة لتعليم الأبناء، ومؤسسة تعليمية مكمّلة ومتممة للمدرسة، والتي بدورها تقوم في بعض الظروف بأخذ دور أكبر، ومهمات أكثر تبعاً للظروف التي تعيشها، فهي تقوم بدور الأب حال غيابه، وبدور المدرسة والهيئة التدريسية حال غيابهما، كما حدث في الفصل التعليمي السابق؛ بسبب إغلاق المدارس، واتباع التعليم عن بُعد؛ بسبب جائحة كورونا. والأم المؤهلة القادرة على توصيل المعلومة للأبناء، هي مدرسة كاملة مكتملة بحد ذاتها؛ لأنها قادرة على القيام بكافة الأدوار التي تلزمها؛ لتنشئة الأبناء تنشئة مجتمعية، علمية، تعليمية سليمة، لقد ساعدت الأم في مرحلة التعليم عن بُعد بما يلزم لتعليم الأبناء، ومتابعة وإنهاء متطلباتهم، وواجباتهم المدرسية.
ولم يقتصر اهتمامها بتغطية الجوانب العلمية والتعليمية كبديل للبيئة المدرسية؛ بل تجاوزت ذلك بتعويض الأبناء عن غياب زملاء المدرسة، وهم زملاء اللعب والتسلية والترفيه، فأخذت الأم هذا المقام، وأصبحت تبحث عن الأساليب الترفيهية المشتركة، وتحاول خلق نشاطات مشتركة مع الأبناء؛ لتغذية كافة احتياجات الأبناء النفسية، والسيكولوجية، فهي تغرس العلم والمعرفة، كما تغرس حب التعلم في نفوس أبنائها.
وكما هو معلوم فالطالب الذي يجد هذا الاهتمام من والديه؛ يؤثر ذلك في مستواه الدراسي بشكل إيجابي، ويتفوق، ويكتسب الثقة بالنفس، والدافعية والحماس للتعلم، أما الطفل الذي لا يلقى العناية والاهتمام في المنزل؛ فسينعكس ذلك سلباً على شخصيته، ومستواه الدراسي. إن أهم ما يحتاج إليه الأطفال في حياتهم هو الحب غير المشروط من آبائهم، وعلى قدر ما يعطيهم الآباء من حب؛ تكون النتيجة شعور الأبناء بالأمان، والسعادة، والقدرة على الإبداع والانطلاق والتعلّم، فالعملية التربوية مستمرة تسقى بماء الحب.
هناك بعض الأمور البسيطة التي على الأمهات القيام بها؛ لإخراج الأبناء من حالات الملل، والتوتر الناتجة عن حالة الحجر، والتعليم عن بُعد، بتعويضهم بما يتوفر في بيئتهم المنزلية من ألعاب، وترفيه؛ لتنمية مهاراتهم الحياتية والسلوكية، مثلاً بتغيير نمط توزيع مفروشات المنزل، واتجاهات الأسرّة والطاولات، وصنع أنواع من الأطعمة الجديدة التي تنتمي لثقافات أخرى بمشاركة الأبناء، وتنظيم مسرحيات منزلية لهم، تتضمن الفكاهة والقيم والعلوم، إضافة إلى مسابقات ثقافية، ونشاطات حركية متنوعة وغير ذلك.


جيل احترازي


ومع إشادتها بخطوات الدولة في التعامل مع أزمة فيروس «كورونا» المستجد من الجوانب الحياتية المختلفة، ذهبت د. فاطمة العلماء للقول: في ظل أزمة «كورونا» وما صاحبها من عقبات؛ استطاعت الإمارات أن تدير وأن تجد حلاً لهذه الأزمة التي ظن الجميع من أنها ستقف عائقاً في وجه إكمالنا لحياتنا، ولمواكبة العصر والتطورات، ومواجهة الأزمات، كان لا بد من وجود الخطة (ب)، والتي قامت الدولة بتفعيلها في أكثر من جانب من جوانب الحياة؛ ومنها التعليم.
لقد اتجهت إلى نظام التعليم عن بُعد، وقامت بتطبيقه على الطلبة في الفصل الدراسي الماضي، والذي كان له آثار سلبية وإيجابية عليهم، ففي حين نظر البعض إلى الإيجابيات وأشادوا بها، رأى البعض الآخر سلبيات النظام.
إن الحياة مدرسة، لها مميزاتها وسلبياتها، وفيها مواد دراسية كثيرة أحدها التعليم، وما حدث في الآونة الأخيرة من أوضاع؛ دمج مواد الحياة بمادة التعليم فأصبح الأمر تحدياً للطالب، وإحدى مواد الحياة الأخرى؛ هي المادة الاجتماعية والنفسية، والتي قال عنها معارضو التعليم عن بُعد، بأنها ستتأثر سلباً، وبشكلٍ كبير، وستؤدي إلى أن يدخل الطالب في عزلة اجتماعية، كما أن إجراءات بعض الأمهات الاحترازية؛ تضع الطالب في صندوقٍ مغلق، الأمر الذي قد يؤدي إلى الإضرار بالطالب، ويؤثر سلباً في بناء شخصيته، ويدمرها، ويخرج للمجتمع طفلاً خاضعاً، خانعاً، جباناً وغير قادر على تحمل المسؤولية.
انتبهوا يا أمهات هذا الجيل من وضع أطفالكم في صناديق مغلقة تحت مسمى الإجراءات الاحترازية، حتى لا تدمروا بذلك شخصية أطفالكم، فالخوف وسيلة تدميرية بطيئة، يجب علينا تجنب غرسها في أبنائنا حتى لا يكونوا عالة على المجتمع، فالخوف من «كورونا» أمر مقبول، أما الخوف المرضي من كل شيءٍ، فهو أمر مرفوض. أما من ناحية الأضرار الجسدية التي قد تصيب المتعلم، والتي قد يستند إليها معارضو التعليم عن بُعد ليؤكدوا سلبياته، فإنه يمكن السيطرة عليها؛ حيث إن ساعات التعلم عن بُعد ليست بالطويلة، وأنه يمكن للطالب أخذ قسط من الراحة بعد انتهاء الحصص الدراسية، وأن يقلل من استخدام الأجهزة الذكية لبقية اليوم، وبذلك ستقل الأضرار التي قد تصيبه، خاصةً في ظل دمجه في أنشطةٍ بدنيةٍ في المنزل؛ من خلال جدول في ذلك يضعه له والداه أو الأخوة الكبار في العائلة.


أجواء مماثلة


تقول د. غاية الشامسي: اضطرت الإجراءات الاحترازية لمواجهة جائحة «كورونا»، لفرض واقع وظروف تعيشها الأسر منها التعليم عن بُعد، والذي أدى إلى تواجد الأمهات مع أبنائهن في المنازل؛ لمتابعتهم دراسياً، فيما عليهن تحويل جزء من البيت لما يماثل الفصل المدرسي، من توفير طاوله شبيهة بما في المدرسة، وإلزام الابن بالزي المدرسي خلال حصة التعليم عن بُعد، ووضع جدول زمني ودراسي شبيه بجدول الحصص المدرسية، مع ما يتخلله من وقت راحة بين الحصص، وكذلك إضافة وقت للفسحة؛ لجعله يعيش أجواء المدرسة، إلى جانب إطلاق العنان له في الوقت نفسه؛ ليمارس هوايته وتفريغ طاقته الحركية وكأنه في المدرسة؛ لأن إحساسه بالحجر في المنزل لن يساعده على الاستيعاب، أو التحصيل الجيد.


بيئة مصغرة


قال د. عيسى البستكي رئيس جامعة دبي:
لابد أن تفكر الأسر في كيفية ابتكار بيئة مصغرة من المدرسة في البيت - كعالم مدرسي مصغر- وتوفير ألعاب عقلية، وبدنية، ونفسية، وفكرية، واجتماعية للطفل، ضمن بيئة التعلم في المنزل، مع وجوب اكتساب الوالدين مهارات معينة، تمكنهم من التعامل الواعي مع الأبناء، فيما كل الحلول لن تحقق نجاحاً بنسبة 100%، وإنما فقط ستقلل من صدمة جلوس الطفل في المنزل دون ذهابه للمدرسة، وتغيير البيئة التعليمية المدرسية إلى المنزلية.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"