التعليم الجديد يفشل في إغلاق أبواب الربح الخلفية لمدارس خاصة

تفرض خدمات تصل قيمتها إلى نصف الكلفة
03:04 صباحا
قراءة 6 دقائق
تحقيق: محمد إبراهيم

جاء التعليم الجديد سواء كان «هجيناً أو عن بعد أو ذاتياً»، خطوة جادة نحو التطوير في منظومة العلم في الدولة، ونجح في تقليص النفقات، والميزانيات التشغيلية والالتزامات الاستهلاكية في قطاع التعليم، ويعد إنجازاً كبيراً.
ولكن أجمعت الآراء على أنه على الرغم من تلك الامتيازات، فإنه فشل في إغلاق الأبواب الخلفية التي تبتكرها بعض المدارس الخاصة، لتحقيق المزيد من الأرباح على حساب أولياء الأمور والطلبة، إذ تجاهلت رسومها المعتمدة مقابل التعليم، وذهبت تفرض على الطلبة خدمات ليس لها علاقة بالتعليم، تصل قيمتها إلى نصف كلفة الدراسة نفسها، لتظل إشكالية «الدهاء والمعاناة».
أولياء أمور أكدوا ل«الخليج» أن الخدمات التي تفرضها مدارس أبنائهم، باتت أمراً لا يقبله العقل في ظل تطبيق التعليم الجديد، وكلفتها مبالغ فيها، وأصبحت تشكل أعباء متجددة على عاتق الوالدين، والسياسات والقرارات الداخلية التي تختلف بين مدرسة وأخرى، كبلت أولياء الأمور، ومنعتهم من الاختيار بين الخدمات التي تنفع أبناءهم، موضحين أن القانون الجديد يعد طوق النجاة، لاسيما أن نصوصه تدعو للتفاؤل في المرحلة المقبلة.
تباينت آراء إدارات المدارس، إذ نفى بعضها وجود خدمات إلزامية، لإجبار ولي الأمر على سداد أي رسوم إضافية غير المعتمدة، فيما أكدت أخرى أن الخدمات متاحة، والأمر اختياري للطالب، ولكن هناك ما هو إلزامي، مثل الزي المدرسي والكتب والمختبرات الإضافية، التي يجب أن يدفع لها ولي الأمر، ليستفيد منها ابنه او ابنته.
خبراء وتربويون، رأوا أن خطط المدارس الخاصة ومعاناة أولياء الأمور، لم تنته إلا بتدخل جاد وحاسم من الجهات القائمة على شأن التعليم الخاص في الدولة، لتحديد الخدمات المهمة التي تخرج من عباءة الرسوم الدراسية الأساسية والمعتمدة، فضلاً عن تحديد قيمتها الفعلية المنصفة، مع ضرورة ألا يترك الأمر لإدارات المدارس، وليس من المنطق أن ينفق ولي الأمر ما يعادل نصف رسوم تعليم ابنه مقابل خدمات لا فائدة منها.
«الخليج» تقف من جديد مع الميدان التربوي، تركيزاً على امتياز التعليم الجديد، وكيف أثر في الأبواب الخلفية التي مازالت مفتوحة في بعض المدارس الخاصة، ومطالبات أولياء الأمور في هذا الشأن، ودور الجهات المعنية خلال المرحلة المقبلة.

خفض النفقات

البداية كانت مع عدد من أولياء الأمور، إذ أكد «إيهاب زيادة، ومحمد طه، ومحسن النوري، ومها مراد، وسهام أحمد، وعلياء حمدان»، أن التعليم الجديد أسهم في خفض النفقات التشغيلية في مدارس أبنائهم، إلا أن إداراتها لم تعترف بذلك بعد، وفرضت عليهم خدمات ورسوماً إضافية تفوق نفقات تعليم أبنائهم.
وقالوا إن مدارس أبنائهم اشترطت عليهم شراء الزي المدرسي من منافذ البيع التابعة لها، شريطة انخراط أبنائهم في التعليم هذا العام، على الرغم من افتقاره للجودة، وأسعاره المبالغ فيها. ورفضت منحهم فرصة الاختيار في شراء أقمشة وتفصيلها لأبنائهم، على الأقل لضمان جودتها وسلامتها في ظل الظروف الراهنة.
وأفادوا بأنه على الرغم من توافر الكتب أونلاين، وقلة فرص استخدام «الورقية» منها في الوقت الراهن، فإن إدارات مدارس أبنائهم فرضت عليهم سداد نحو 7500 درهم إضافية للكتب والزي، ليتجنبوا عدم قدرة أبنائهم على الانخراط في الدراسة العام الجاري، فضلاً عن المختبرات التي ينبغي أن يدفع ولي الأمر رسوماً مقابل استخدام ابنه لها، مشيرين إلى أن بعض المدارس فرض رسوماً على استخدام برك السباحة والأنشطة الأخرى غير الموجودة، في حين أن معظم الطلبة يباشرون تعليمهم عن بُعد.
وأكدوا أن التعليم الجديد «الهجين أو عن بُعد أو الذاتي» أفاد المدارس الخاصة من حيث النفقات والميزانيات، ولكنه فشل في إغلاق الأبواب الخلفية التي مازالت الإدارات تستخدمها لتحقيق المزيد من الأرباح من جيوب أولياء الأمور والطلبة، مطالبين بتدخل الجهات المعنية وفرض رقابة مشددة على الرسوم التي تفرضها المدارس على الخدمات التي تبتكرها، ومدى أهميتها في تعليم الطلبة.

رسوم إضافية

«الخليج» التقت عدداً من مديري المدارس الخاصة، للوقوف على مدى صحة ما جاء على ألسنة أولياء الأمور، حيث تباينت آراء الإدارات المدرسية في هذا الشأن، إذ أكد «خلود فهمي، ووليد فؤاد لافي، وطارق .أ، وخالد. م»، عدم فرض أية رسوم إضافية أو خدمات تخرج عن إطار الرسوم المعتمدة من الجهات المعنية للتعليم، موضحين أن هناك خدمات إضافية وأنشطة، ولكنها اختيارية لأولياء الأمور بنسبة 100%، كما أن رسومها مقبولة وفي متناول مختلف مستويات الطلبة المادية.
وأفادوا بأنه لا يجوز أن تفرض المدارس على الطلبة وأولياء الأمور، خدمات تصل كلفتها نصف الرسوم الدراسية، وجعلها أمراً إلزامياً، معتبرين إياها سلوكات تؤثر سلباً في إقبال أولياء الأمور على التعليم الخاص، لاسيما أنها تشكل أعباء متجددة يعانيها ولي الأمر والطالب، لاسيما أن الأسر محدودة الدخل.

مبررات مختلفة

وفي ردهم قدم عدد من مديري المدارس التي تفرض تلك الخدمات والرسوم الإضافية (فضلوا عدم ذكر أسمائهم) مبررات مختلفة في هذا الشأن، حيث أفادوا بأن الكتب المدرسية يجب أن يسدد ولي الأمر ثمنها وأن يحصل الطالب على النسخة الجديدة لهذا العام، لاسيما أن المدارس تدفع الملايين لتوفيرها.
وعن آليات اعتماد الإحصائية التي ترفع للوزارة للحصول على الكتب المدرسية، قالوا إنها تحتوي على أعداد تقريبية قبل بداية العام الدراسي، والقائمة قابلة للنقصان أو الزيادة، ومن هنا جاءت إلزامية شراء الكتب، «وزارة التربية والتعليم تركت مساحة كبيرة للمدارس لتحديد احتياجاتها من الكتب، وينبغي أن تكون القوائم دقيقة تشكل رغبات الطلبة وأولياء أمورهم في الحصول على الكتب من عدمه، ولا تعتمد وفق رغبات إدارات المدارس».

نفقات بالملايين

وفي ما يخص الزي المدرسي، قالوا إن هناك نفقات بالملايين على الزي المدرسي الذي يتغير تصميمه ونوعية أقمشته سنوياً، لذا كان ينبغي على أولياء الأمور تغيير الزي المدرسي كل عام، وفق المستجدات.
وعن الطلبة الذين يباشرون تعليمهم عن بُعد، وقلة الاستعانة بالكتاب الورقي، وارتداء الزي المدرسي للعام الجديد، أفادوا بإلزامية هذين العنصرين، وفق سياسة مدارسهم الداخلية، وبحسب القرارات الخاصة بالملاك والإدارات العليا، والجميع ينبغي أن يرضخوا لها.
أما عن استخدام المختبرات وأحواض السباحة والأنشطة، وتحصيل رسوم إضافية مقابل استخدامها، على الرغم أن معظم الطلبة يدرسون في البيوت، قالوا إنها خدمات متوافرة فعلياً والمدرسة لم تمنع أحداً من استخدامها، ولم تكن سبباً في عدم قدرة الطلبة على الاستفادة منها، ولكن الظروف الراهنة حالت دون استخدام الطلبة لها.

رفضوا الرد

وفي وقفة معهم عن كيفية تحديد رسوم تلك الخدمات، وهل هي معتمده من الجهات المعنية؟ رفضوا الإجابة، وفضلوا العودة إلى ملاك المدارس في هذا الشأن، ولكنهم أكدوا أنهم مجرد أدوات لتنفيذ التوجيهات، ولا يملكون قرار الحذف أو الإضافة أو التقليص.

الخضوع للموافقة

واتفق رأي الخبير الدكتور وافي الحاج، مع آراء عدد من التربويين ضم «إيمان غالب، وإبراهيم القباني، والدكتور فارس الحبتور، ومها سلامة»، إذ أجمعوا على أهمية خضوع جميع الخدمات التعليمية وغيرها لموافقة الجهات المعنية، واعتماد ما ينعكس بالفائدة على الطلبة، فضلاً عن تحديد الرسوم الفعلية المستحقة لها. مشددين على أهمية ترك الأمر لإدارات المدارس، وعده أمراً داخلياً، لاسيما أن تلك الخدمات تستهدف الطلبة ومساقات تعليمهم.
ورفضوا تماماً ممارسات بعض المدارس الخاصة، التي تركز على تحقيق الربح، ولا تهتم بجوهر العملية التعليمية ذاتها، لأن الرسوم الإجبارية التي يسددها ولي الأمر، مقابل اختبارات القبول والمقابلات «أون لاين» التي لا تتعلق بالتعليم أساساً، واستخدام المختبرات، أبرز الأبواب الخلفية التي تحقق عبرها المدارس الخاصة أرباحاً طائلة تصل للملايين.

رقابة فاعلة

وأكدوا أهمية وجود رقابة فاعلة لتقييم الخدمات المقدمة للطلبة، وقياس مدى مواءمتها الاحتياجات، ومدى ملاءمة أسعارها، معتبرين أن الجهات المعنية تعد المسؤول الأول عن اعتماد الخدمات الضرورية وقيمتها، والمسؤول الأول أيضاً أمام تلك الممارسات، وينبغي أن تكون الأول أيضاً للتصدي لها قبل أن تصل لظاهرة ترهق أولياء الأمور.
تَنَوَّعَ تعاطي الجهات القائمة على شأن التعليم الخاص، مع تلك الإشكالية، إذ رفض بعضها تلك الممارسات جملة وتفصيلاً، وعدتها مخالفات ينبغي أن تحاسب عليها المدارس المخالفة، فيما رأت جهات أخرى أن هناك عقود تربط بين ولي الأمر وإدارة المدرسة، وعلى الطرفين اتباع ما جاء في بنود العقد، ولكن لم يكن هناك ردّ وافٍ عن تلك الممارسات أو الإجراءات المتبعة لكبحها، ليبقى السؤال: هل يحق للمدارس فرض خدمات غير تعليمية، ووضع رسوم لها بحسب رغباتها، وخارج نطاق الرسوم الدراسية المعتمدة؟.

الزحف إلى التعليم الحكومي

يرى تربويون أن موجة الزحف الطلابي إلى التعليم الحكومي التي شهدها الميدان أخيراً، نتيجة طبيعية للممارسات السلبية لبعض المدارس الخاصة، ومنها تلك الخدمات التي تفرضها على أولياء الأمور وتضع لها رسوماً مبالغاً فيها، أثقلت كاهل ولي الأمر، فخطط الدهاء والمعاناة، مازالت مستمرة في مدارس خاصة، والرؤية عن الانضباط والالتزام بما اعتمدته من رسوم مازالت ضبابية.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"