عندما يمرض الرؤساء

04:04 صباحا
قراءة 3 دقائق
عاصم عبد الخالق

مثل سائر البشر يمرض القادة، سواء خلال حكمهم أو بعد تقاعدهم. ودونالد ترامب ليس أول رئيس أمريكي يداهمه المرض وهو على رأس السلطة، ولن يكون الأخير بالطبع. كما أنه ليس أفضل من 7,3 مليون أمريكي أصيبوا قبله بفيروس كورونا. وبالتأكيد هو أسعد حظاً من 200 ألف آخرين توفوا نتيجة الوباء اللعين.

نصف رؤساء أمريكا تقريباً عانوا أمراضاً نفسية أو بدنية مزمنة أو طارئة. أربعة منهم (حتى الآن) قضوا نحبهم خلال وجودهم في الحكم. الأول كان وليام هنري هاريسون الذي أصيب بالتهاب رئوي بعد شهر واحد من تنصيبه عام 1841 ومات فوراً. الثاني هو زكاري تيلور الرئيس الثاني عشر للبلاد، وأصيب بالكوليرا مع ما صاحبها من التهاب معوي وإسهال حاد، ومات في يوليو 1950، بعد أربعة أيام فقط من الإصابة.

الرئيس الراحل الثالث كان وارين هاردينج الذي عانى اضطرابات نفسية أثرت في حالته الصحية، وظل يشكو من الإنهاك البدني والأرق إلى أن توفاه الله بعد مباراة للجولف عام 1923. ومات الرئيس الرابع فرانكلين روزفلت وهو في قمة مجده عام 1945، بعد إصابته بزيف رئوي حاد. وكان قد تولى الحكم وهو مصاب بالشلل في ساقيه، إلا أن هذا ظل سراً لم يعرفه إلا قليلون.

إلى جانب هؤلاء الأربعة تضم قائمة الرؤساء الأمريكيين المرضى، أسماء أخرى تعايش أصحابها مع أمراضهم حتى انتهاء مهمتهم. بدأت المتاعب منذ عهد الرئيس الأول جورج واشنطن الذي كان نصف أصم وبلا أسنان تقريباً، إلا أن الأمراض الخطرة لم تعرف طريقها لسكان البيت الأبيض المتواليين إلا مع حكم الرئيس السابع أندرو جاكسون الذي عاني مشاكل في الإبصار وأمراضاً نفسية وصداعاً مزمناً، فضلاً عن نحافته الشديدة. على العكس منه كان جيروفر كليفلاند، وهو الوحيد الذي تولى الرئاسة فترتين غير متعاقبتين؛ إذ كان يشكو من البدانة المفرطة. وأصيب بالنقرس والتهاب المفاصل والكلى، وورم في الفم استدعى جراحة لاستئصال جزء من الفك.

البدانة أيضاً كانت مشكلة وليام تافت، ولكن بصورة أشد، حيث تجاوز وزنه 136 كيلوجراماً، وخضع لحمية غذائية صارمة أفقدته حوالي 45 كيلوجراماً. وظل يعاني طوال حكمه ضيقاً في التنفس خلال النوم، وارتفاع ضغط الدم وأزمات قلبية، وهي نفس المشكلة التي واجهها وودرو ويلسون الذي تدهورت حالته إلى الحد الذي فقد فيه الرؤية بإحدى عينيه، ثم أصيب بشلل في الجانب الأيسر كله، وظل يتنقل بمقعد متحرك.

ولم يسلم داويت إيزنهاور أحد أشهر الرؤساء الأمريكيين من المرض خلال حكمه، وتعرض لعدة سكتات دماغية وقلبية، إضافة إلى ما يعرف «بداء كرون»، وهو التهاب في الجهاز الهضمي. أما خليفته الشاب جون كيندي فقد أخفت روحه المتوثبة وحيويته مرضاً عضالاً آخر أصيب به، ويعرف باسم داء أديسون وهو اضطراب في الغدة الكظرية. وكان يشكو أيضاً من آلام الظهر والأرق.

مرض نادر آخر يسمى «داء القبور» وهو خلل في الجهاز المناعي أصاب جورج بوش الأب، إضافة إلى التهاب المفاصل والمثانة. وقبله كان الرئيس رونالد ريجان، الذي نجا من موت محقق بعد إصابته بطلقات نارية في محاولة لاغتياله، يعاني التهاب المسالك البولية، وخضع لجراحة لاستئصال البروستاتا. ويقول المقربون منه، إن أعراض الزهايمر بدأت تظهر عليه في أواخر ولايته الثانية.

وبمرض ريجان بدأ عهد جديد في التعامل الإعلامي مع الحالة الصحية للرؤساء، فلم يعد مرضهم سراً يمكن حجبه عن الرأي العام الذي يعتبره قضية عامة، وليس مسألة شخصية.

لا يكاد الجيل الحالي من الأمريكيين يصدق أن رئيساً مثل روزفلت، ظل يحكم وهو مصاب بالشلل ويتنقل على مقعد متحرك. مثل هذا الأمر ليس مرفوضاً فقط الآن؛ بل لا يمكن تصوره من الأساس. من حق الناخبين الاطمئنان لوجود رئيس قوي يقظ يتحمل الضغط العصبي والعمل الشاق.

وعلى الرغم من إصابته بكورونا، يحاول ترامب أن يقنعهم بأنه ما زال هذا الرجل.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"