تجارب «كورونية»

23:55 مساء
قراءة دقيقتين


جمال الدويري

لجائحة «كورونا» دروس مستفادة كثيرة، وإن كانت لتداعيات الوباء أحمال ثقيلة، دفعت وستدفع البشرية ثمنها غالياً جداً، سواء في الوقت الحالي أو المستقبل القريب، ريثما تتخلص من هذا الوباء، وتبدأ قطاعات الحياة بالتعافي والعودة التدريجية.
لهذا الوباء، عِبَـرٌ ودروس يمكن الاستفادة منها، وبدء تهيئة قطاعات العمل والتعليم والتسوق بأكملها لأي طارئ مستقبلاً، لكن مباغتة هذا الفيروس، كشفت لنا بشكل دقيق مدى قدرة الدول على التعامل مع الأحداث الطارئة وقوة بنيتها التحتية التي لم تعد تقتصر - وفق هذا الزمان - على الطرق وشبكات تصريف الأمطار والصرف الصحي، لكنها كشفت أن البنية اللوجستية لأي دولة، باتت بأهمية البنية التحتية المتعارف عليها.
دروس «كورونا»، يجب أن تخضع للتدقيق والمراجعة في التعليم، والطبابة، والتنقل، وإتمام المعاملات والحياة الاجتماعية عموماً، لأنه وبعد انتهاء هذه الجائحة، بإذن الله، فإن الحياة لن تعود إلى سابق عهدها كما تعودنا عليها؛ فالكثير من المرافق والقطاعات ستحتكم إلى قواعد السوق الجديدة، وستتأقلم مع احتياجات المستهلك، والملاءة المالية لأصحاب هذه القطاعات، وقدرتهم على تقديم خدماتهم بأقل كلف، كأن يصار إلى إيجاد معارض ومحال بيع «هجينة»، وحتى مدارس وجامعات يتعامل معها الناس عن بُعد. ما سيعيد التفكير جدياً في قضية الإيجارات ووسائل النقل والتع ليم التي تستهلك معظم دخول الناس، إن لم تكن كلها.
أفضل تجربة واقعية في التعامل مع «كورونا» تمثلت في الدول التي فتحت الباب للتعايش بحذر وإجراءات احترازية منذ بداية الجائحة، لأن الذين أغلقوا دولهم بالكامل وعطلوا مناشط الحياة، عاد الوباء للتفشي فيها، بعد فتح القطاعات، وكأن الفيروس وصلها للتو. أما الدول التي انتهجت التعايش والتأقلم والحزم في المخالفات، كما فعلت الإمارات، أصبحت قادرة بكل قوة الآن على أن تتعاطى مع هذا الوباء وتعيد فعالياتها وأنشطتها من دون أن يكون لذلك أثر ملموس، بينما الدول التي أغلقت منذ البداية، قد تضطر للعودة إلى هذا الخيار مراراً حتى تتجاوز أزمتها.
«كورونا» سيكون أكثر من فيروس في المستقبل القريب، وتداعياته ستصيب الذين تأثروا به أكثر بكثير من الذين أصيبوا به كونه مرضاً، وستعاني معظم القطاعات فترة من الزمن، حتى تتخلص من آثاره وانعكاساته التي أصابت مداخيل معظم الشركات والمؤسسات، وضربت بعضها في مقتل.
الإنفاق المستبقلي للدول التي تنشد الحياة، سيتركز كثيراً على مجالات جديدة، وسيكون أصحاب الحظ والفرص والثروات في المستقبل ممن يتعاملون في البرمجة والتقنيات، لأن الحياة بأكلمها ستصبح أنماطها متغيرة بسرعة كبيرة، تُتعب من هم غير قادرين على مواكبتها، وقد تتعطل حياتهم بأكملها ما لم يكونوا مستعدين.
والاستعداد يكون بالالتزام، والتحضّـر الجيد والواسع والعميق، لمستقبل مختلف في أدواته.
[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

مساعد مدير التحرير، رئيس قسم المحليات في صحيفة الخليج

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"