نظرية المؤامرة في الانتخابات الأمريكية

23:04 مساء
قراءة 3 دقائق

عبدالله السناوي

أخطر ما جرى في الانتخابات الرئاسية الأمريكية اهتزاز فكرة المؤسسة، صلب النظام السياسي وموطن قوته، تحت وطأة الانقسامات العميقة.

شاعت نظرية المؤامرة أثناء فرز أوراق الاقتراع ونسبت أدواراً غامضة ل«الدولة العميقة» في صعود المرشح الديمقراطي جو بايدن على حساب الرئيس الحالي دونالد ترامب.

مما قيل وتردد منسوباً إلى ترامب: «نظامنا فاسد والانتخابات مزورة».

 الكلام ينزع الشرعية عن الانتخابات ويعمّق الانقسام السياسي والعرقي في بنية المجتمع، ويثير شكوكاً غير مسبوقة في قدرة أكبر قوة عظمى على إدارة انتخابات حرة ونزيهة وذات صدقية.

 قوة أمريكا لا تلخصها عضلاتها العسكرية ولا قدراتها الاقتصادية بقدر صلابة نظامها الفيدرالي، الذي تأسس عام 1789، وهو العام نفسه الذي انتخب فيه الرئيس الأول جورج واشنطن.

 لا يتحمل ترامب وحده مسؤولية الأجواء المسمومة في الانتخابات الرئاسية بالادعاء أنها قد زورت وسرقت، وأن نتائجها قد حرفت بالتلاعب في بطاقات الانتخاب المرسلة بالبريد، فقد شاركه الموقف نفسه قيادات جمهورية بارزة وقاعدة واسعة من الناخبين المتحمسين.

 هكذا تبدت بوادر فوضى وصدامات شوارع، قد لا تكون كبيرة حتى الآن، لكنها منذرة.

 فارقت حقائق التصويت استطلاعات الرأي العام على نحو دعا إلى السخرية منها، بعدما عجزت في دورتين رئاسيتين متتاليتين عن توقع ما قد يحدث.

 في انتخابات 2016 رجحت كفة هيلاري كلينتون وزيرة الخارجية السابقة، مؤكدة أنها سوف تكتسح المرشح الجمهوري ترامب، غير أنه هو الذي كسب السباق.

 وفي المرة الثانية، أكدت أن بايدن سوف يكتسح الانتخابات، وأن «موجة زرقاء» سوف تدفع الديمقراطيين إلى السيطرة الكاملة على مقاعد مجلسي الكونجرس، وهو ما لم يحدث على الصورة التي توقعتها.

 إنها أزمة مجتمعية تستحق البحث والتقصي في الأسباب الكامنة لإخفاق استطلاعات الرأي العام في التوقع بدقة.

 على خلفية استطلاعات الرأي العام المتواترة، التي جزمت باكتساح بايدن تبنى ترامب استراتيجية استباقية شككت في الانتخابات قبل أن تبدأ.

صب اعتراضه على التصويت بالبريد، الذي دعا الديمقراطيون أنصارهم إلى اتباعه لاتقاء الإصابة بعدوى «كورونا» في زحام لجان الانتخابات.

 لم تكن إثارة الشكوك مجانية، فقد استهدفت منذ البداية مصادرة أية نتائج متوقعة بالملاحقات القضائية حتى الوصول إلى المحكمة العليا، التي يسيطر عليها الجمهوريون لعلها تحسم على غير ما تجري به صناديق الاقتراع.

هكذا قد تجد المحكمة العليا، أحد الأركان الرئيسية في النظام الفيدرالي الأمريكي، نفسها أمام اختبار قاس.

إذا حكمت لترامب فإنه مطعون عليها ب«التسييس». لا يمكن القياس على تجربة عام 2000 عندما حسمت المحكمة العليا الصراع الانتخابي بين المرشحين الديمقراطي آل جور والجمهوري جورج دبليو بوش لصالح الثاني بفارق عدة مئات من الأصوات في ولاية فلوريدا.

 ماذا قد يحدث لو رفض ترامب الاعتراف بالهزيمة وتسليم السلطة وفق المواعيد والقواعد الدستورية؟ أن يعترف أو لا يعترف هذه ليست المشكلة، إلا أنها تشرخ في الشرعية. أن يرفض مغادرة البيت الأبيض، هذه ليست أيضاً مشكلة، فالرئيس المنتخب يستطيع بموجب صلاحياته الدستورية اتخاذ ما يلزم من إجراءات لممارسة السلطة.

 المشكلة الحقيقية، إلى أي حد يستطيع الرئيس الجديد أن يعيد شيئاً من التماسك إلى المؤسسة الأمريكية، وشيئاً آخر من ترميم الانقسامات الحادة السياسية والطبقية والعرقية في بنية المجتمع؟

 في آخر رئاستين، باراك أوباما ودونالد ترامب طرح سؤال المؤسسة نفسه على السجال العام بطريقتين مختلفتين.

 في حالة أوباما، شاعت رهانات على تغيير جوهري في السياسات الأمريكية بمنطقة الشرق الأوسط بمجرد صعوده إلى البيت الأبيض كأول رئيس من أصول إفريقية.

 وفي حالة ترامب، طرح السؤال نفسه عام 2016 بصيغة أخرى: إلى أي حد يمكن للمؤسسة الأمريكية أن تحتمل الخطاب الشعبوي للقادم الجديد، الذي قد يخرج عما هو معتاد في إدارة البيت الأبيض؟

 انتهت التجربة بما يشبه التصدع في المؤسسة وشيوع نظريات المؤامرة، كأن القوة العظمى الأولى في العالم باتت دولة من العالم الثالث تغيب عنها الأصول والقواعد الديمقراطية وتفسر أزماتها بالأهواء المتغيرة.

 إذا ما صعد بايدن إلى الرئاسة الأمريكية، كما بات واضحاً، فإن سؤال المؤسسة يطرح نفسه بصيغة ثالثة، فهو ابنها بأي معنى تقليدي، عضواً في مجلس الشيوخ لعقود طويلة، ورئيساً للجنة الشؤون الخارجية، ونائباً للرئيس لفترتين متتاليتين.

 بحكم صلاته وعلاقاته وأفكاره فإنه سوف يعمل على مد الجسور مع الجمهوريين وترميم ما يستطيع ترميمه، لكن المشكلة أكبر منه وقد تستغرق وقتاً طويلاً.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"