أمريكا وسياسات بايدن الخارجية

00:15 صباحا
قراءة 3 دقائق

حسام ميرو

سارع قادة عدد من الدول الأوروبية إلى تهنئة جو بايدن بفوزه بالانتخابات الرئاسية الأمريكية، في مقدمتهم قادة ألمانيا وفرنسا وإسبانيا، وكذلك فعل شارل ميشال رئيس المجلس الأوروبي، وأورسولا فون دير لاين رئيسة المفوضية الأوروبية، وعكست هذه المواقف في سرعتها، وما تضمنته من إشارات، حالة من الارتياح العام التي سادت أوروبا، التي كانت قلقة من استمرار الرئيس دونالد ترامب لأربع سنوات أخرى في البيت الأبيض، وما تعنيه هذه الاستمرارية، في حال حصولها، من زيادة حدّة الأزمات على ضفتي الأطلسي.

عموماً يمكن فهم الارتياح الأوروبي، ليس انطلاقاً من وجود استراتيجية واضحة للعلاقات الدولية عند الرئيس الأمريكي الجديد، بل من الحاجات الأوروبية بالدرجة الأولى، ومن مصالح أوروبية تعرضت للخطر في عهد الرئيس دونالد ترامب، خصوصاً المصالح الاقتصادية، فقد اعتادت أوروبا أن تعمل مع الولايات المتحدة بوصفها دولة مؤسسات، في الوقت الذي اتصف فيه عهد الرئيس ترامب بتغييب دور المؤسسات لمصلحة قراره ورؤيته الخاصين، وهو ما أوجد خلال السنوات الماضية مواقف متباعدة بين الطرفين، وبالتالي، فإن الأوروبيين يأملون بعودة العلاقات بينهم وبين واشنطن إلى سابق عهدها، من أجل احتواء الأضرار التي حدثت في العلاقات البينية، والتنسيق المشترك حيال عدد من التحديات التي أصبحت تفرض نفسها على مجمل العلاقات الدولية.

العلاقات الأمريكية الصينية في العام الأخير، وبعد انتشار فيروس كورونا انطلاقاً من مدينة ووهان الصينية، عرفت تصعيداً غير مسبوق، فقد وصف الرئيس ترامب الفيروس ب«الصيني»، وهو ما اعتبرته الصين محاولة للإضرار بسمعتها العالمية، وإلحاق الأذى بمنتوجاتها، واستمراراً للصراع التجاري بين البلدين، وهو الصراع الذي بدأ مع فرض الرئيس ترامب ضرائب كبيرة على البضائع الصينية، وما تلاها من جولات تفاوضية لصياغة اتفاقيات جديدة للتبادل التجاري بين البلدين، لمصلحة الميزان التجاري الأمريكي، بالإضافة إلى أن إدارة ترامب وضعت عراقيل كبيرة أمام استثمار شركة «هواوي» الصينية للجيل الخامس للإنترنت، وتحذيرها لحلفائها من أي تعاون مع الشركة.

تنتظر الصين حدوث تغيّرات في السياسة الخارجية الأمريكية، وهي على الرغم من إدراكها أن المخاوف الأمريكية من صعودها هي مخاوف استراتيجية، وأن تغيّر الرئيس الأمريكي لا يعني حدوث تحولات كبيرة ومباشرة في الخطط الأمريكية تجاهها، فإنها تعوّل على نمط أقل حدة من الصراع، يسمح بعلاقات تحتمل التعاون في بعض الملفات، مع إبقاء التنافس موجوداً في ملفات أخرى، بالإضافة إلى تهدئة الأجواء في بحر الصين الجنوبي، بعد أن زادت المخاوف من احتمال اندلاع مواجهات عسكرية بحرية بين بكين وواشنطن.

أما دول الشرق الأوسط، حيث تداخلت الملفات وزادت حدة تعقيدها، فإن السياسات الأمريكية تجاهها تبقى في غاية الأهمية، وفي مقدمتها إيران التي خسرت خلال عهد ترامب ما كانت قد أنجزته في عهد الرئيس أوباما، فمع إلغاء الرئيس ترامب للاتفاق النووي، خسرت طهران مصادر محتملة للتدفقات النقدية، إذ تراجعت العديد من الشركات الأوروبية عن وعودها بالاستثمار داخل إيران، كما أدى الحصار على بيع النفط الإيراني إلى أوضاع مالية واقتصادية ومعيشية سيئة، وتراجعت قيمة العملة الوطنية، وتعوّل إيران على أن يمضي بايدن نحو سياسات تشبه سياسات الرئيس أوباما، وهو ما قد يُحدث فرقاً كبيراً في مجمل الأوضاع الإيرانية.

لكن المتابع لمسيرة الحملة الانتخابية لبايدن، سيجد أنه لم يفصح عن أي ملامح واضحة لسياساته الخارجية، ويبدو الأمر مفهوماً في سياق الانتخابات الأخيرة، والتي اعتبرت من أهم وأشرس الانتخابات في تاريخ الولايات المتحدة، فقد كانت انتخابات للتصويت على بقاء الرئيس ترامب أو رحيله، ولهذا فإن تركيز حملة المرشّحين انصبّ على الملفات الداخلية، لجذب الناخب الأمريكي، وعدم تشتيت الانتباه نحو قضايا خارجية، في ظل أوضاع طارئة فرضتها جائحة كورونا، ودفعت الاقتصاد الأمريكي نحو التراجع عن مكتسبات تحققت في بداية ولاية الرئيس ترامب.

ومع ذلك، فإن ثمة حقائق رئيسية لن يكون بإمكان الرئيس الجديد تجاهلها، ومن أبرزها ضرورة إعادة أوروبا النظر في إنفاقها العسكري في حلف الناتو، وترتيب علاقاتها مع الصين بما لا يتناقض مع المصالح الأمريكية، وهما الأمران اللذان قد بدأ الرئيس ترامب العمل عليهما، بالإضافة إلى ملف العلاقات التجارية مع الصين، وما حققه ترامب من مكتسبات، بالإضافة إلى المستجدات في الشرق الأوسط، بعد توقيع اتفاقيات سلام بين دول خليجية وإسرائيل، غيّرت الكثير من المعادلات القديمة، وهو ما قد يحد من إمكانية إحداث تحولات كبرى في المضمون، لكن السمة الأبرز ربما ستكون إعادة تحقيق المصالح الأمريكية من خلال المؤسسات، سواءً الأمريكية أو الدولية.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

إعلامي

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"