لعبة القوة في جنوب شرقي آسيا

23:20 مساء
قراءة 3 دقائق
1

مارك فالنسيا *

المشهد الذي تعيشه منطقة جنوب شرقي آسيا ليس جديداً بل هو تكرار لمشاهد مماثلة على مر التاريخ.

فخلال الحقبة الاستعمارية، تنافست قوى عظمى مثل المملكة المتحدة وفرنسا وهولندا للسيطرة عليها. صحيح أن الزمن قد تغير، لكن يبدو الصراع الجديد على الهيمنة الإقليمية بين الصين والولايات المتحدة يتخذ أشكالاً جديدة أيضاً.

تحذر هولندا، إحدى القوى الاستعمارية السابقة في المنطقة، من أن المنطقة قد تصبح «لعبة بين القوى العظمى». هذا الصراع على الهيمنة في العصر الحاضر، لا يختلف عما كان عليه في الحقبة الاستعمارية، ومن المرجح يكون مؤلماً لهذه الدول وشعوبها.

وبدأت هذه اللعبة الجديدة تتبلور من ضباب الجغرافيا السياسية، مدفوعة بصراع الحضارات والإيديولوجيات. وفي مواجهة القدرات العسكرية المتصاعدة للصين، تعتقد الولايات المتحدة أنها والصين منخرطتان في «منافسة جيوسياسية بين قوى العالم الحر والقوى القمعية في النظام العالمي» في منطقة المحيطين الهندي والهادي.

بل إن واشنطن ربطت صراعهما بأهداف وجودية تعتبر أنه «لا يمكن أن يكون العالم آمناً حتى تتغير الصين».

وأطلقت الولايات المتحدة مجموعة متكاملة من وسائل الإعلام الحكومية بشأن الصين، تشن حملة إعلامية عامة فعالة لتشويه صورتها. كما أنها تحاول جمع حلفائها وشركائها معاً في «تحالف الراغبين» المناهض للصين تلعب فيه العديد من دول جنوب شرقي آسيا دوراً مهماً.

وتعتقد الصين أن الولايات المتحدة تريد احتواء وتقييد صعودها الشرعي حتى تتمكن من مواصلة هيمنتها في المنطقة. ولكي تعزز قوتها ونفوذها، تدير وتنفذ استراتيجية شبكة اقتصادية شاملة تحت شعار- مبادرة الحزام والطريق- بحيث تكون الصين مصدراً ووجهة للسلع الاقتصادية.

ومع الانسحاب الدراماتيكي للرئيس الأمريكي دونالد ترامب من الشراكة عبر المحيط الهادي، وإنشاء الشراكة الاقتصادية الإقليمية الشاملة بقيادة الصين، تراجعت هيمنة الولايات المتحدة في المنطقة. وليس من المستغرب أن ترى الولايات المتحدة مبادرة الحزام والطريق الصينية كجزء من خطة للهيمنة الإقليمية، بل والعالمية أيضاً.

وتتمثل استراتيجية واشنطن في تشديد الخناق على الجانب الجغرافي الاستراتيجي حول الصين. فلديها نشاط مشترك ضمن شبكة تضم عدداً من الدول الحليفة مثل - اليابان وكوريا الجنوبية وتايوان والفلبين وتايلاند وماليزيا وسنغافورة- تسهل استراتيجيتها العسكرية. والآن تتحرك للسيطرة عسكرياً على المحيط الهندي - بالتعاون مع الهند وأستراليا - قبل أن تتمكن الصين من القيام بذلك. هذا التحرك سوف يتيح لها السيطرة على الممرات البحرية الحيوية للصين مثل مضيق ملقا، وبالتالي التحكم في تدفق النفط شريان الحياة الاقتصادي.

ولتعزيز قدرة الولايات المتحدة اقترح وزير البحرية الأمريكية كينيث بريثويت إنشاء «أسطول أول» ربما يكون مقره في سنغافورة، والهدف منه كما قال هو «مساعدة الدول المطلة على المحيط الهادي في لجم أطماع بكين عسكرياً واقتصادياً حتى ينجح الردع».

هذا الاقتراح الأحادي هو مثال على كيفية وقوع دول جنوب شرق آسيا في هذه المنافسة. فقد وافقت سنغافورة على استضافة أربع سفن قتالية أمريكية، وهي تسهل للطائرات جمع المعلومات الاستخباراتية الأمريكية التي تستهدف الصين. لكنها سرعان ما نفت أي مفاوضات بشأن «عمليات نشر إضافية». ومن غير المرجح أن تقبل سنغافورة - أو زملاؤها الأعضاء في الآسيان - تأسيس أسطول كامل خوفاً من إغضاب الصين. لكن الاقتراح يشير بالفعل إلى التفكير الجيوستراتيجي على أعلى مستويات الجيش الأمريكي وتجاهلهم لحساسيات البلدان المحاصرة بين المنافسة الأمريكية الصينية.

وكجزء من هذا التطويق الاستراتيجي، يعمل أعضاء ما يسمى الرباعية - الولايات المتحدة واليابان وأستراليا والهند – على تشكيل تحالف مناهض للصين. وقد أكملوا للتو أول مناورات بحرية مشتركة في المحيط الهندي. وتخطط الولايات المتحدة أيضاً لمساعدة حلفائها وشركائها في بناء قدراتهم الدفاعية البحرية.

قد يكون هذا التهافت على التبعية لقوة عظمى كارثة على دول جنوب شرق آسيا التي تحرص على الحفاظ على استقلاليتها الاستراتيجية وترغب في تحقيق رغبات القوة العظمى فقط عندما تتوافق مع مصالحها. لكنها لا تستطيع مقاومة مثل هذه الضغوط منفردة. مثل هذا الهدف يتطلب جهداً جماعياً منسقاً بينما يواجه تماسك الآسيان خطر التفكك.

ولسوء الحظ فإن التنافس في بحر الصين الجنوبي ليس سوى قمة جبل الجليد في لعبة القوى العظمى الجديدة. وفي حين أن أسلوب الولايات المتحدة قد يتحسن في ظل إدارة الرئيس جو بايدن، فإن اللعبة لا بد أن تستمر.

* «يوراسيا ريفيو»

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"