ترامب.. فاصل ونعود

23:15 مساء
قراءة 3 دقائق

حافظ البرغوثي

تشير استطلاعات الرأي الأخيرة إلى أن نسبة 66 في المئة من مؤيدي ترامب ستعيد انتخابه مرة أخرى إذا ترشح في الانتخابات المقبلة، بعد أربع سنوات. ما يؤكد أن شريحة واسعة من الأمريكيين تؤيد توجهاته. وكان الرئيس الأسبق باراك أوباما، الذي نشر كتابه «أرض الميعاد»، أشار إلى أن «قضية العرق تمثل أحد خطوط الصدع المركزية في التاريخ الأمريكي»، وقال أوباما: «نحن منقسمون للغاية في الوقت الحالي، بالتأكيد أكثر مما كنا حين خضت سباق الرئاسة عام 2007 وحين توليت المنصب سنة 2008».

ويرجع أوباما بعض أسباب الانقسام هذا إلى عوامل اجتماعية واقتصادية، مثل تزايد عدم المساواة، والانقسامات بين أمريكا الريفية، والحضرية، وردود الفعل على العولمة، مضيفاً أن الرئيس ترامب أجج نيران الانقسام من أجل مكاسب سياسية.

وهنا، فإن أوباما بدا كمن يعود إلى مقولات قديمة لابن خلدون، وحديثه عن علامات سقوط الدول، فمنذ تولي ترامب الحكم بدأت التحليلات تتحدث عن مؤشرات انهيار الدولة الأمريكية، وشبّه البعض ترامب بأنه يلتسين الاتحاد السوفييتي الذي انتهت الدولة السوفييتية في عهده. ومن علامات سقوط الدول التي ذكرها ابن خلدون الظلم، لأنه يؤذن بخراب العمران لانعدام العدل، والإنفاق على الكماليات، وسلب حقوق الآخرين واختفاء العصبية التي تمحورت حولها أسس الدولة. بينما يرى ادوارد جيبون أن انهيار المسؤولية الفردية، أي عدم إحساس الفرد بمسؤوليته تجاه المجتمع من أهم أسباب انهيار الإمبراطوريات.

وقال المؤرخ البريطاني «توينبي» إن الدولة تصل إلى مرحلة السقوط، والانهيار، عندما لا يمكنها الاستجابة للتحديات التي تواجهها، وما يحدث يسمى قتل روح الدولة وقدراتها الإبداعية. وتواجه أمريكا المشكلات نفسها في الاستثمار في النمو الاقتصادي والالتزام العسكري المتزايد في كل قارة والكلفة المتزايدة للمعدات العسكرية، ما يحد من الخيارات المتاحة.

لكن الأكثر دقة في توصيف انهيار الدول والتنبؤ بالمستقبل هو الأمريكي ألفين توفلر، الذي نشر في عام 1987 ثلاثة كتب: «الموجة الثالثة»، و«خرائط العالم»، و«تشظّي السُّلطة». وفي كتابه «الموجة الثالثة»، تنبأ توفلر بانهيار الاتحاد السوفييتي السابق، وقدّم دلائل علمية وذكيّة تؤيد تصوراته، وتدعم بقوة احتمال انهيار وشيك. وهذا ما تحققّ بعد ثلاث سنوات. وفي نهاية الكتاب، يستكمل توفلر نبوءته بالقول إنه بعد 25 عاماً على الأقل من انهيار الاتحاد السوفييتي، على العالم أن ينتظر انهيار الولايات المتحدة الأمريكية نفسها، وتفككّها إلى ولايات مستقلة.

ومن هؤلاء أيضا المؤرخ والمفكر الأمريكي بول كينيدي، في كتابه «صعود القوى العظمى وسقوطها»، الصادر عام 1988، ورأى فيه أن الولايات المتحدة تتراجع على المستوى الاقتصادي مقارنة بالدول الأخرى، وأن هذا التراجع إذا ما استمر سينعكس على الأبعاد الأخرى لعناصر القوة الأمريكية. وخلص إلى أن الإنفاق العسكري الكبير، فضلاً عن الالتزامات الإنفاقية الواسعة، أصبحت فوق طاقة الولايات المتحدة. وانتهى إلى التحذير من أن الاتجاه الحالي سيؤدي إلى أن تواجه أمريكا المصير الذي واجهته قوى سابقة.

ورأى توفلر في إطار نظريته المستقبليّة احتمالات عدّة لسيناريوهات الانهيار، منها أن تبدأ ( ثورة السود) وامتدادها إلى كل الولايات، حرائق وتظاهرات، وأعمال شغب، وقتل، وانهيار أمني، ثم انفصال، وهكذا، سوف يبدأ الانهيار.. شرارة واحدة تشعل غضب الملوّنين. وربما يكون كل ما يجري من تفكيك، منذ عام 1990- وما بعد انهيار الاتحاد السوفييتي- يؤكد أن العالم كله، يتجه فعلا نحو التفككّ: من الاتحاد السوفييتي، مروراً بأوروبا الاشتراكية نفسها، (حيث انشطرت تشيكوسلوفاكيا إلى دولتين: التشيك- وسلوفاكيا)، وربما لا ينتهي بما يجري اليوم في منطقة الشرق الأوسط. وما زال خبراء السياسة و الاجتماع في أمريكا والعالم مستغرقين في البحث في توقعات توفلر، ومازالت مؤسسات الولايات المتحدة خائفة من صدق النبوءة هذه المرة أيضاً. خاصة أننا نرى الرئيس المنتخب جو بايدن يركز في خطاباته اليومية على ضرورة توحيد الشعب الأمريكي، والقضاء على الانقسام، وهي مهمة صعبة في الظروف الحالية، بينما دونالد ترامب بات شعاره «فاصل ونعود» أي أنه سيترشح ثانية. فهل ينجح بايدن في إطالة عمر الدولة، أم سيعود الترامبيون؟

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"