في إصلاح النظام الجامعي

00:14 صباحا
قراءة 3 دقائق

عبد الإله بلقزيز

يحوز النظام الجامعي مكانة اعتبارية في أي نظام اجتماعي، لما ينهض به من دور حاسم في توفير الأطر الكفؤة للتنمية وبرامجها، الاجتماعية والاقتصادية والعلمية، ولإدارة المؤسسات والشؤون العامة. وهو إلى ذلك، يحتل موقعاً رئيسياً في المنظومة التعليمية، ففيه يستكمل المتمدرِس تكوينه العلمي «العالي»، فيتهيأ المتفوق في التكوين لولوج طور البحث العلمي؛ لذلك ينصرف التفكير إليه، فوراً، عند أي حديث في مسألة إصلاح النظام التعليمي؛ إذ كلما حصل تصويب لأداء النظام الجامعي، وتقدم في برامج التأهيل فيه، انعكس ذلك إيجاباً على نظام التعليم الأولي والإعدادي والثانوي، على الأقل، بالنظر إلى إمكان تزويد هذا الأخير بالأطر الكفؤة المتكونة في الجامعات، وتصحيح حالة التردي التي يعانيها التأطير المدرسي.

قد يقال إن داء النظام الجامعي من أدواء النظام المدرسي، وأزمته من أزمتِه، وهو لا يحصد إلا ما ازْدُرِع في مراحل التكوين المدرسي، وبالتالي لا إمكان لمعالجته والنهوض بأمره، إلا متى أصيب حظ من النجاح في تصفية منابع أزمته، بتحقيق إصلاح في النظام التعليمي في مراحله كافة (الأولية والإعدادية والتأهيلية). 

والاستدراك هذا صحيح من غير شك، ولكن من ذا الذي يجادل في أن إصلاحاً للتعليم المدرسي  على الأقل على مستوى التأطير ونجاعة التدريس  سيكون ممتنعاً، إن لم نقل مستحيلاً، إن لم يتحقق تصويب لأداء النظام الجامعي على النحو الذي يوفر فيه هذا النظام، الكفاءات التي بها ينتجز برنامج الإصلاح المدرسي في مراحله وأسلاكه كافة؟

هذه واحدة. الثانية أن إصلاحاً للنظام المدرسي، على صعيد برامجه ومقرراته ومناهج التدريس، إذا كان ممكناً تحقيقه  وهو ممكن لا يحتاج إلى أكثر من الإرادة الصادقة وتمكين ذوي الخبرة من المشاركة في صوغه- فإن عقدة المنشار في المسألة ستظل تتمثل في ندرة الكفاءات المؤطِرة التي تنهض بأمر إنفاذ أحكام ذلك البرنامج الإصلاحي عبر التدريس الملائم. وهكذا تردنا المسألة إلى مدخلها المفتاحي: إصلاح النظام التعليمي الجامعي، والرفع من المحتوى العلمي لبرامجه، بما يتلاءم ومستوى التكوين العلمي في جامعات العالم المتقدمة.

على أن إصلاحاً حقيقياً للنظام الجامعي، وللنظام التعليمي برمته، إذا كان يستوجب انعقاد إجماع وطني حوله، بما هو مطلب استراتيجي مصيري، فليس من الملائم أن يعهد بأمر ذلك إلى مجالس عليا مفصلة على مقاسات التوازنات السياسية والنقابية وقوى البيروقراطية الإدارية، فيما هي تستبعد جسم الإصلاح الأصيل والرئيسي من ذوي الخبرة والكفاءة العلمية والاختصاص. كما ليس يكفي أن يؤتى ببعض قليل منها للإيحاء بتمثيلية هذا الجسم، فيما هي تمثيلية شكلية ورمزية، ليس إلا! والحق أن واحداً من أسباب تعثر تجارب إصلاح عدة، إدخالها في قمقم التقاسم السياسي النقابي البيروقراطي، وتهميش القوى والكفاءات المعنية بالموضوع.

يحتاج إصلاح النظام الجامعي  إذن  إلى إرادة حقيقية، وإلى تسخير الكفاءات من ذوي الخبرة والاختصاص في ورشات التفكير والتخطيط والبرمجة، لوضع قواعده وتوصياته، ولكنه يحتاج من السياسة الرسمية، أيضاً، إلى توفير الموارد المالية الكافية للجامعات لتنهض بدورها الرئيسي في البحث العلمي. ما من بحث علمي يقوم ويستتب أمره، ويعظم رصيده، من دون موارد، والجامعات هي الحاضنة الأولى للبحث العلمي وبيئته الأكاديمية الأساس، وأي فقر لديها إلى الموارد، أو خصاص فيها، يرتد على البحث العلمي بأوخم النتائج. وليس البحث العلمي من النوافل؛ بل عليه المعوّل في أي مشروع حقيقي للإصلاح التعليمي والجامعي؛ لأن به تكون البوصلة ومن رصيده تتنشأ الرؤى إلى التنمية التعليمية والعلمية.

إن إنتاج نظام جامعي رسمي متطور ومنتج، ومندمج في نظام التنمية الاجتماعية يقتضي، في ما يقتضيه أيضاً، الحد من تناسل الجامعات الخاصة والترخيص العشوائي لها، الجاري اليوم على قدم وساق؛ لأن تكاثرها الطفيلي يُضيّق على النظام الجامعي العمومي ويحجب دوره. 

وشأن الجامعات الخاصة في هذا شأن الجامعات الدولية وفروعها في البلاد العربية، إنه يتيح لهذه فرصاً لمزاحمة غير مشروعة للجامعات الوطنية، ويكرس ازدواجيات صارخة في التكوين والتأهيل؛ بل يضرب في الصميم مبدأ أساسياً في الدولة الوطنية، هو مبدأ السيادة التعليمية، بما هي وجه من وجوه السيادة الوطنية، هذا دون أن نتحدث عن الأكلاف الباهظة التي تتحملها الأسر في تغطية نفقات تأهيل أبنائها في تلك الجامعات: الخاصة والأجنبية على السواء.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"