سيّان الشمعة والشمس

00:06 صباحا
قراءة دقيقتين

هل نسي القلم أن يقول لكم: كل عام وأنتم بخير؟ العذر عند كرام الناس مقبول. 
للتعويض، سيقول لكم أشياء بطريقة مختلفة. هي أشياء يخالها السمع لأول وهلة عادية، وما هي بالمألوفة لدى الغواص.
حين تقولون كل عام وأنتم بخير، فكأنكم تريدون التهرب من الهدف المقصود المنشود. 
لقد اختار الذي صاغ هذه العبارة أول مرة، المعنى الذي لا يتضمن حمل المسؤولية وتحميلها، وهذا أضعف الإيمان. 
أما ما يجب أن يصدع به المتكلم، ويعيه السامع فيحس بثقل الأمانة، فهو: جعلكم الله خيراً للعام الجديد. لأن العام ظرف زمان لا يمكن أن يكون الفاعل الذي يصدر عنه الفعل.
 الآدميون هم الذين هداهم الله النجدين (هدى بمعنى أبان لهم وأظهر) فهم إما عاملُ صالح وفاعل خير، وإما مرتكب صغائر أو مقترف كبائر. 
لم يقل مؤرخ طوال التاريخ إن العام كذا حشد مئتي ألف محارب وغزا البلد الفلاني، وقتل مليون إنسان، ودمّر المدن والقرى.
قولوا في التهنئة: جعلكم الله خيراً للعام الجديد، أو أي صياغة بهذا المعنى، حتى يدرك المتلقي أنه هو المعني بتجسيد الخير. هو الفاعل وراء التنمية والنمو الاقتصادي، التعليم والعلوم والمعارف، الاكتشاف والاختراع والإبداع، الابتكار والتطوير، العمل الإنساني النبيل، وإلا فما مفهوم الخير وما الأعمال الصالحات التي تعود على الشعوب والأوطان بكل خير؟ ما يُخشى هو أن يتوهم الشخص أن العام هدية يتمناها المهنئ لمتلقي التهنئة. 
الصواب: أتمنى أن تكون عنصراً خيّراً إيجابياً في العام الجديد، فإن لم تكن أهلاً لذاك، فعليك إصلاح نفسك وتفكيرك وسلوكك، حتى لا تتكاثر الشرور في الأرض.
العام الجديد ليس صناديق يا نصيب يوزع ما فيها على المحظوظين، ويمطر المعضوضين بالشرور. 
العام بريء من هذه الأوهام، فوراء ما يحدث أبرار أخيار ينهضون بالشعوب والأمم، وأشرار غريبو الأطوار يفعمون آفاق البشرية أشباحاً وأتراحاً.
 للكوارث الطبيعية حسابات أخرى، فالأعوام لا ذنب لها، فالذنوب بشرية، آدمية، تنبت أشواكها السامة في الجماجم المظلمة، بينما تبزغ شموس الخير والأعمال النورانية في الأدمغة المشرقة صفاء وبهاء وسناء وسنى. تلك هي الأهل لأن تقول لأهلها: جعلكم الله نوراً للعام الجديد.
لزم ما يلزم: النتيجة المصباحية: المهم هو أن تضيء، كل حسب طاقته، شمعة كنت أم شمساً.
[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"