ما وراء تعثر البحث العلمي

00:04 صباحا
قراءة دقيقتين

 

هل رسم حديث الأمس عن ألفي سنة من المناعة الموسيقية، سؤالاً أهمّ في ذهنك؟ عندما ترتبط الموسيقى بالفلسفة والرياضيات، ألا تعني هذه العلاقة مدّ جسور لا انقطاع لها بين الفلسفة والعلوم؟ هل يُعقل أن تترسّخ قواعد الفلسفة في بيئة، من دون أن تنمو فيها أشجار البحث العلمي؟ اللغز المحبط هو: سبعة القرون من الحضارة الإسلامية شهدت ألواناً كثيرة من الازدهار الاقتصادي، التقدم العلمي، التمدد الجغرافي، التوسع اللغوي في نطاق النحو والصرف والبلاغة، الإبحار في التصوف، تألق فنّي العمارة والخط. أمّا التفسير والحديث والسيرة والفقه، فلها مكانة خاصة. كانت للعمل المعجمي ريادة، للأسف، لم يظهر حتى نهاية القرن العشرين المعجم الذي «يحطم الرقم  القياسي» لابن منظور: «لسان العرب».
من غرائب أطوار تاريخنا، أن العقول الفذة التي كان في الإمكان البناء النهضوي على أسسها النظرية، لم تلق صدى في المحيط، كانت كالموجات الصوتية حيث لا هواء. المصباح الأول كان أبا العلاء، فكره جاء موزوناً مقفّى في «اللزوميات»، فأخذوه على أنه أدب يدعو إلى الزندقة، والمنثور مثل «رسالة الغفران»، اختار له المعري اللغة التي تحتاج إلى كسّارة بندق عملاقة. المصباح الثاني ابن خلدون، تلقف الغرب فكره الاجتماعي وفلسفة تاريخه، وظنّه العرب مجرّد مؤرخ. المصباح الثالث ابن رشد: تجديد الخطاب الديني بالتسامح وإعمال العقل في الدّنيوي، فلسفته طار بها الغرب وشكراً لمن أحرقوا كتبه ونجا هو.
إذا أردنا جردة حساب، عثرنا بمنتهى السهولة، على الحلقة المفقودة التي من دونها لا يتسنى المسار المتكامل بين الفلسفة والعلوم. الحلقة المفقودة هي البحث العلمي. لقد ازدهرت علوم كثيرة، لكنها كانت كازدهار الصناعات في طفرات. ما كان مفقوداً هو التنمية التراكمية والاستمرارية التكاملية. عملياً، لم يفكر العرب في التاريخ الحديث في الخوارزميات التي هي اليوم الدورة الدموية في كل الميادين. لقد قُطعت المسالك أمام الفلسفة فلم يتأسس البحث العلمي، ولم تتكامل مسيرة العلوم. المعضلة هي أن البحث العلمي يجب أن يكون سبّاقاً بكثير.عندما يتحرك العالم العربي، سيكون المتقدمون بعيدين جداً وفي مراحل علمية وتقانية مختلفة.لا يأس مع الأمل.
لزوم ما يلزم: النتيجة التشابهية: البحث العلمي، مثل الموسيقى، في الغرب، أسسته الفلسفة والرياضيات في أثينا، عندما كان الذين صاروا فلاسفة اليونان، يتتلمذون على أيدي المصريين.
[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"