التنقيب عن جذور التشكيل

00:10 صباحا
قراءة دقيقتين

هل الفن ضرورة حيويّة حياتيّة للإنسان؟ لا علاقة للموضوع المقصود بطرح هذا السؤال على صعيد فلسفة الفنv ومباحث الإحساس بالجمال، فهذه قضايا تناولتها عشرات ألوف الصفحات في تاريخ الفلسفة منذ فلاسفة اليونان القدامى. المرمى هو: إذا كانت هذه المسائل قد شغلت أكبر أدمغة الفكر طوال أكثر من خمسة وعشرين قرناً، فلماذا ظلت إمّا غائبة، وإمّا في محل شك وتشكيك في العالم العربي؟ أثارت هذه الشجونَ بحوثٌ ومباحثاتٌ تعود جذورها إلى منتصف القرن التاسع عشر، ولكنها لم تأت بالبراهين القاطعة إلاّ قبل بضع سنوات، على أن الإنسان العاقل (هومو سابيانس) لم يأت بجديد ابتكاري إبداعي، وأن إنسان «النياندرتال»، الذي كان الاعتقاد السائد هو أنه أقرب إلى الحيوان منه إلى الآدمي في آخر نسخة له، كان هو السبّاق، لا أجدادنا، إلى اكتشاف النار، دفن الموتى، صنع الأدوات، استخدام التجريد والترميز و«إبداع» الفنون بدءاً من الفن التشكيلي.
منطقياً، لا يُعقل أن يكون أيّ فن من الفنون قد سبق وجود الرقص والموسيقى. السبب واضح، وهو أن الإحساس بالإيقاع التقاطه تلقائي، وتجاوب الجسد مع الإيقاع تلقائي أيضاً، إلاّ إذا كان شديد التعقيد فيحتاج إلى تدريب وتأهيل. الدليل الأسطع هو أن الرقص الإيقاعي، بصرف النظر عن مدلولاته وبواعثه، كثير الانتشار في عالم الحيوان، الطيور بخاصة. بالمناسبة ثمة علم موسيقي قائم بذاته هو: «علم موسيقى الحيوان» أو «زووو موزيكولوجي»، وفيه بحوث طريفة وعميقة إلى حدّ تصوّر أن الأمر يتعلق بتحليل أعمال حقيقية من التأليف الموسيقي الواعي.
حتى لا نتيه، إنسان «النياندرتال»، الذي هو من حيث القدرات الإدراكية أقل مرتبة من الإنسان الذي ساد الكوكب في نهاية المطاف، نمت فيه، لأسباب سيناريوهات دوافعها شتى، مقوّمات نشوء الإحساس بالفن، وكانت تلك أهمّ كثيراً وأصدق فطرة وبواعث إبداعيّة، ممّا يتعلمه الطلاب في معاهد الفنون الجميلة. لقد اخترع جمع الألوان من الطبيعة، وأحسن إتقان هارموني الألوان، وأحكم السيطرة على المساحات، وتحكّم في مسارات الخطوط والانحناءات. لقد كان المؤسس الأول لمعاهد الفنون التشكيلية بلا منازع. من أين أتى بكل تلك القدرات؟
 لزوم ما يلزم: النتيجة التربوية: الدروس المستفادة هي البحث عن جذور الدوافع إلى انبعاث الفن، وترجمتها إلى مناهج تفجّر ينابيع الإبداع الفني.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"