العطش إلى الكلمات

23:59 مساء
قراءة دقيقتين

د.باسمة يونس

إن طرح سؤال عما إذا كان السرد اليوم يسود على الشعر في ظل المدينة وتعقيداتها، يعني التساؤل عما إذا كان لا يزال لدى الناس مشاعر أمام العولمة وتقلباتها؟، وكما عرف الشاعر الفرنسي بول فاليري الشعر بأنه «التقاطع الفريد للغة والحالة الذهنية» فإن عظمة الشعر لا تكمن في حضوره في زمن ما، بل في أننا نفسره بناءً على أفكارنا وتصوراتنا الثقافية وحالاتنا الذهنية. وإذا أردنا أن نظل بشراً، علينا التمسك باللغة للتعبير عن مشاعرنا، فإذا لم نفعل ذلك، فلن نكون أكثر من أجهزة حواسيب نريد استخدامها لا أن نصبح مثلها.

ورغم الاعتقاد بأن الشعر القديم الذي نظمه أصحاب المعلقات مثلاً لم يعد يؤثر في كثير من الناس اليوم سنرى بأنه اعتقاد خاطئ لأن القصائد القديمة جداً لا تزال تروق لنا فأفضل شيء في الشعر الجيد خلوه من الزمان ومعظم القصائد التي قرأناها منذ سنوات لم تفقد جاذبيتها إلى اليوم، لأنها تعبر عن مراحل عمر الإنسان التي لا تتغير كقصيدة أبو العتاهية التي يقول فيها «ألا ليت الشباب يعود يوماً.. فأخبره بما فعل المشيب».

ورغم وجود شعراء حداثة غيروا من طرق قول الشعر واستخدموه في الأغنيات والدعايات التي يأبى البعض تسمية ما فيها بالشعر، لكنها أكثر ما يتصل بالمجتمع ويتواصل مع جمهوره المتنوع، ويمتد تأثير كلمات الأغاني على حياة أعداد كبيرة من الناس لأنها تلامس عواطفهم كما كان الشاعر في الماضي يلامسها بقصائده، ومع أن الناس يجدون اليوم صعوبة في تسمية أي شاعر على قيد الحياة اليوم فضلاً عن تسمية أي من أعمالهم وربما لا يعرف شخص مثقف جيدًا أي شعراء معاصرين، لا يزال الشعر يجد طريقة للتحدث مع الناس، بل ويمكن لأي شخص في أي مكان اليوم إنشاء قصيدة ومشاركتها بسهولة مع جمهور متعطش للكلمات، والتنافس فيها مع الهواة والمحترفين لأنها تعبر عن هذا المجتمع وتخاطبه باللغة والأفكار التي يراها اكثر ارتباطاً بمشاعره.

ومن المهم توقع أننا سنظل نسمع ونقرأ الشعر حتى عندما لا نكون على علم بكاتبه وسنجد الكثير من الشعراء المعاصرين الذين يربطون قصائدهم الحديثة بأسماء لشعراء من الماضي فيشجعون بذلك الناس على التفكير في تجارب من سبقوهم في مجال الشعر والاعتزاز بالقصائد التي كان لها تأثير على حياة أجدادهم في الماضي وعلى تلخيص التاريخ وهو ما يبرهن على أن الشعر كان ولا يزال بصحة جيدة.

وبصرف النظر عن حقيقة أن معظم الجيل الجديد لا يعتني كثيراً بالشعر ويهتم بالسرد، لكن الشعر كان ولا يزال موضع تقدير ولا يزال هناك من يتمتع بجمال اللغة من خلال قراءة ونشر الشعر الذي يتعاطف مع الأفكار ويلامس الروح بتجلياته.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

​كاتبة ومستشارة في تنمية المعرفة. حاصلة على الدكتوراه في القيادة في مجال إدارة وتنمية المواهب وعضو اتحاد كتاب وأدباء الإمارات ورابطة أديبات الإمارات. أصدرت عدة مجموعات في مجالات القصة القصيرة والرواية والمسرح والبرامج الثقافية والأفلام القصيرة وحصلت على عدة جوائز ثقافية.

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"