المتقاعدون

00:57 صباحا
قراءة دقيقتين

من هم المتقاعدون؟ إنهم آباؤنا وأجدادنا وكبار المواطنين الذين ربوا الأجيال وساهموا في إعمار الوطن. وفي الدولة عموماً، هم الأساتذة، والمهندسون، والمبدعون، وغيرهم ممن بنوا وصنعوا وسيّروا عجلة الحضارة والاقتصاد، ورسموا بسواعدهم المستقبل الذي نعيشه الآن.
نحن اليوم نتاج لجهودهم، وما عملنا سوى مواصلة لإنجازاتهم. زرعوا فحصدنا، ونزرع فيحصدون. لهذا ينبغي على أقل تقدير أن نحترم عمرهم الذي أفنوه في سبيل الأجيال التي ستأتي من بعدهم. إنها عملية تصاعدية تراكمية، فكلنا نمر بمرحلة الطفولة ثم الشباب وصولاً إلى الشيخوخة. وعليه، فهؤلاء المتقاعدون هم أصحاب التجربة، والحكمة، والقدوة، والمرجع الذي نلجأ إليه لنستلهم منهم الرأي والمشورة.
ولا شك أن أقوالهم أكثر صواباً من الشباب؛ لأن آراءهم مبنية على تجارب متعددة خاضوا غمارها خلال سنين طويلة، ما يساعدنا على اختصار الطريق بالعودة إليهم عند اتخاذ القرار أو محاولة التعرف إلى حلول للمشكلات الطارئة.
إن كل جديد يبني على ما سبقه من بناء، فالدور الثاني لم يكن ليوجد، لولا اعتماده على الأساس في الدور الأول، إذ لا شيء يُبنى في الهواء أو الفضاء من دون أساس يستند إليه. وهذا جزء من فضل المتقاعدين علينا.
لذا، علينا الاعتراف بفضلهم والعرفان بالجميل، إلى جانب احترامهم، وتوقيرهم، وتقديم الخدمات لهم، ومنحهم الصدارة والأولوية، وتقدير تضحياتهم وأعمالهم التي ساهموا عبرها في بناء الوطن. كما علينا الابتعاد عن انتقاص جهودهم، أو المس بشخوصهم، أو السخرية من عدم قدرتهم على أداء عملهم كما يفعل الشباب. من المتقاعدين نظفر بالناتج الفكري وليس النشاط البدني؛ لأن بعضهم وصل إلى أرذل العمر، فبات غير قادر على القيام بحركة.
أما ما نراه اليوم من استهزاء البعض واستخفافهم بكبار السن عبر تصويرهم وهم يمارسون الرياضة مثلاً، أو عند قيامهم ببعض الأمور بصورة عفوية، مع إطلاق العبارات المحملة بالسخرية بسبب عمرهم، كل ذلك ينال من مكانتهم ومنزلتهم في نظر أسرهم وأقاربهم ومعارفهم. فهل يرضى أحدكم أن يصوَّر والده بأسلوب غير لائق بعمره!
إن آباءنا هم مربونا، ولهم المقام الأول في حياتنا. ويكفي أن الإسلام جعل رضا الوالدين أرفع من الجهاد. لهذا أرجو من كل شخص تصله أي مادة عبر منصات التواصل الاجتماعي تحمل في ثناياها سخرية أو تعليقات مسيئة أو غير لائقة تطال المتقاعدين، أن تقف عنده فيحذفها ولا يعيد تداولها، بل ويقوم بالإبلاغ عن مرسلها مباشرة، وأن يظل احترام المتقاعدين حاضراً في قلوبنا، ونكون بررة بهم وبأهلنا وبجميع من سبقونا بالعمل والاجتهاد. ولنعلم جميعاً أننا سائرون على الدرب ذاته، لنغدو مثلهم في يوم من الأيام.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"