من الشائع أن يتسم القائد بالصرامة والقدرة على اتخاذ القرارات الحاسمة حتى ينجح في قيادة فريق العمل، لكن في الواقع لا تقتصر القيادة الفعالة على سمات القوة فحسب، بل تتعدى ذلك إلى ضرورة تحلّي القادة بما يعتبره خبراء العصر الحديث أهم مهارة على الإطلاق؛ ألا وهي التعاطف.
إن التعاطف يعني قدرة القائد على قراءة أفكار الموظفين ومشاعرهم وفهم احتياجاتهم، الأمر الذي يمنحه المقدرة على إلهامهم والتأثير فيهم ومساعدتهم على تحقيق أحلامهم، بدلاً من أن يكون هدفه الأول والأخير هو جعلهم يحققون أهدافه وأهداف المؤسسة فحسب.
في دراسة عالمية وجد أن معظم الموظفين يعانون أنواعاً متعددة من التوتر، وهو ما أدى إلى استنتاج مدى أهمية التعاطف لتخفيف حدة المشاعر السلبية، وتمكين القائد من الوصول إلى قلوب مرؤوسيه لإحداث التأثيرات المطلوبة.
كما أشارت أبحاث إحدى الجامعات إلى أن الموظفين الذين يُعامَلون بفظاظة، ويوبَّخون باستمرار، ويتلقون رسائل بريد إلكتروني فظّة من رؤسائهم تنخفض إنتاجيتهم، وتنعكس تجربتهم السيئة تلك على حياتهم الشخصية، خصوصاً تجاه شركائهم وأطفالهم. ما يعني أن انعدام التعاطف هو أقصر طريق إلى قتل حس الإبداع لدى الموظف، وتدمير حياته المهنية والشخصية على حد سواء.
على صعيد آخر، وجدت دراسة حديثة أن الموظفين الذين أكدوا بأن قادتهم كانوا متعاطفين معهم، كانوا قادرين على الابتكار بصورة أفضل بكثير. إذ تبين أن وجود قائد متعاطف يمكن أن يرفع نسبة الموظفين المبتكرين إلى (61%)، بينما تنخفض نسبة الموظفين المبدعين إلى (13%) عندما يكون القادة أقل تعاطفاً.
يمكنك كقائد أن تظهر التعاطف من خلال إظهار احترامك لجميع الموظفين، وتعاملك الإنساني معهم، واتباعك لطريقتين مهمتين: تدعى الطريقة الأولى «التعاطف المعرفي» حيث تحاول التفكير من منظور الشخص الآخر، كأنما تحدث ذاتك: «إذا كنت في موقفه، فبماذا سأفكر؟». أما الطريقة الثانية فهي «التعاطف العاطفي»، حيث تسأل نفسك: «إذا كنت في موقف الموظف/ة، فكيف سأشعر؟».
بعد ذلك تأتي مرحلة الاستماع، فلا يكفي أن تضع نفسك في محل الشخص الآخر، بل ينبغي أن تسأله عما يفكر فيه ويشعر به، ثم تستمع إلى رده بكل اهتمام، وتحاول مساعدته قدر استطاعتك، سواء كان يعرض عليك مشكلة مهنية أو شخصية. فكلما شعر الموظف بأنك تعامله كإنسان لا كمجرد رقم لزيادة أرباح المؤسسة، ازداد احترامه لك، وشغفه للعمل معك في كل الظروف.
قد لا يكون التعاطف مهارة جديدة كلياً، لكنه أصبح مع مرور الوقت على درجة بالغة من الأهمية. فمن دونه لا وجود للقيادة الناجحة على أرض الواقع.
[email protected]
