إشكالية استعادة السيادة

00:31 صباحا
قراءة 3 دقائق

عبدالله السويجي

منذ سنوات وإسرائيل تقوم بقصف مواقع عسكرية في سوريا، مرة لعناصر موالية لإيران، ومرة لعناصر إيرانية، ومرة لمنشآت سورية، وفي معظم الحالات كانت الطائرات تمر في الأجواء اللبنانية، والرد الذي وعدت به الأطراف لم يتحقق. 

وتقوم إسرائيل بهذه العمليات العسكرية لتقويض التمركز الإيراني على الأراضي السورية؛ لما يشكله  كما تقول  من خطر على أمنها، وكان من المتوقع أن توجه إسرائيل ضربة موجعة للمواقع الإيرانية أو لأذرعها في سوريا والعراق ولبنان بعد إعلان الإدارة الجديدة للبيت الأبيض، بزعامة جون بايدن، عن توجهها الإيجابي تجاه الاتفاق النووي مع إيران ورغبتها في إحيائه، تعبيراً عن موقف تل أبيب الرافض لعودة الاتفاقية وتقليم أظافر إيران النووية، وبعث رسالة لبايدن بهذا الشأن، إلا أن العكس تماماً قد حدث، ويعتبره المراقبون مفاجأة، حين وافق الرئيس الأمريكي جون بايدن على توجيه ضربة جوية عسكرية لمقاتلين موالين لإيران على الحدود السورية العراقية، وكان السبب الأولي معاقبة الجهة التي شنّت أكثر من هجوم صاروخي على المصالح الأمريكية، وآخرها المعسكر الأمريكي في أربيل. 

وفي الواقع كانت الضربة الجوية أيضاً، ضغطاً على إيران للعودة إلى الاتفاق النووي، وفحوى الرسالة أن مزيداً من الهجمات قد تتكرر إذا ما تأخرت إيران عن العودة إلى الاتفاق، والرسالة الثالثة تؤكد لإسرائيل أنها لا تزال منسجمة مع سياستها ضد الوجود الإيراني، ومخطئ من يظن أن إسرائيل تتصرف من دون العودة إلى حليفتها الكبرى: الولايات المتحدة الأمريكية.

الصورة التي يجب توضيحها أيضاً، هي أن الجانب الروسي، وإن دان الهجمات الأمريكية أو الإسرائيلية على الأراضي السورية، فإنه كان يُخطر في كل مرة، وقبل تنفيذ أي غارة جوية، وتبرير سيرجي لافروف أن أمريكا أخطرت روسيا بالهجوم قبل خمس دقائق لا يعني شيئاً؛ بل يزيد الأمر تعقيداً؛ لأن وقوع الهجوم يعني أن روسيا لم تمانع، ويقاس هذا الاستنتاج على العمليات الجوية كافة على الأراضي السورية، فما لا تستطيع روسيا قوله لإيران، تمرره من خلال عدم اعتراضها أو منعها للهجمات الأمريكية أو الإسرائيلية. والسبب شبه واضح ويتعلق بالتنافس الروسي الإيراني على مناطق النفوذ في سوريا. 

أما السيادة السورية التي يتحدث عنها لافروف، وهي غير موجودة بنسبة كبيرة، فالوجود الروسي يسهم في المساس بها، إضافة إلى غض الطرف عن الوجود الإيراني الأصيل أو بالوكالة، فسوريا اليوم عديمة السيادة على أراضيها، باستثناء المناطق الخاضعة للجيش السوري.

الأمر ذاته ينطبق على السيادة العراقية، فوجود أي جماعة مسلحة، موالية أو مناوئة للنظام العراقي ينقص سيادة العراق على أراضيه، ولو أحصينا المناطق التي تسيطر عليها الحكومة العراقية الرسمية، سنجدها ضئيلة، إذا ما أخذنا في الحسبان أيضاً الوجود التركي المباشر أو عن طريق تنظيمات يدعمها، وهذا التوصيف يطال سوريا بالضرورة.

نحن أمام دولتين جارتين شقيقتين (سوريا والعراق) لا تمارسان السيادة على أراضيهما، قبولاً أو كرهاً. ولاستعادة هذه السيادة لا بد من إعادة هيكلة الوجود العسكري في البلدين، إما عن طريق طرد العناصر غير السورية أو العراقية التي تقاتل الدولتين، أو استيعاب التنظيمات الموالية في مؤسساتهما الرسمية، العسكرية والمدنية، والإبقاء على الجيشين النظاميين. أما الإبقاء على تنظيمات وأحزاب بحجة تأييدها للدولتين ومحاربة الأطراف المناوئة، فهذا له تبعات أخرى خطرة. 

ونعتقد أن هذا التوجه يطال روسيا وإيران وأمريكا وتركيا؛ إذ لا مبرر أبداً لبقائها على أراضي الدولتين، ووقوفها إلى جانب النظامين العراقي والسوري في فترة محاربة «داعش» لا يعطيها الحق في بقاء طويل المدى.

آن الأوان أن يغربل العراق عشرات الأحزاب المدنية والعقائدية والعسكرية، ويعيد تنظيم الحياة السياسية وفق إجراءات واضحة، كما آن الأوان لسوريا أن تتصرف بوضوح مع العناصر غير السورية على أراضيها، وإذا كان بقاؤها بسبب محاربة الإرهاب، فلتعلن ذلك بوضوح وتحدد تحالفاتها، وما عدا ذلك، ستستمر إسرائيل ومن خلفها الولايات المتحدة في التدخل العسكري، ولن تشفع لها البيانات الرسمية والشجب والاستنكار وتقديم الشكاوى لمجلس الأمن؛ لأن الأخير يعلم حقيقة الهيكل العسكري في البلدين، وطبيعة التحالفات.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"