الجامعة التي تزحف نحو المئة

00:18 صباحا
قراءة 3 دقائق

سليمان جودة

في الثاني والعشرين من هذا الشهر في عام 1945، جلست سبع دول عربية حول مائدة واحدة في القاهرة توقّع فيما بينها ميثاق جامعة الدول العربية. 

 وبمثل ما شهد ذلك العام مولد الجامعة ككيان إقليمي يضم الآن 22 دولة عربية في عضويته، بمثل ما كان العام نفسه على موعد مع ميلاد كيان آخر على نطاق أوسع، هو منظمة الأمم المتحدة، التي تضم في عضويتها 193 دولة في مقرها القائم على أرض مدينة نيويورك. 

 وقد كبرت جامعة الدول العربية وراحت تنمو مع مر الأيام، وكانت ولا تزال محط آمال عريضة يعلقها عليها كل مواطن ناطق بالعربية، ثم كل مواطن يأمل أن يكون بيت العرب في مقره الشهير في ميدان التحرير مكاناً تجري فيه الترجمة العملية لكل الآمال. 

 وليس سراً أن الجامعة موضع استهداف خفي أحياناً، ومعلن أحياناً أخرى، من جانب قوى إقليمية لا يسعدها بالتأكيد أن يكون للعرب بيت يلتقون فيه، ولا أن يكون لهم ذلك المبنى الشامخ في قاهرة المعز يتنادون داخله كلما أحسوا بأنهم في مواجهة أزمة من الأزمات. 

 وفي أوقات كثيرة يجد بعضنا أنه مضطر إلى عقد مقارنة بين جامعة الدول العربية، وبين الاتحاد الأوروبي؛ حيث يستقر في مبناه في العاصمة البلجيكية بروكسل. المقارنة تنعقد في مرات كثيرة، على الرغم من أن الاتحاد أحدث في تاريخ نشأته من الجامعة؛ لكن الأمانة تقتضي أن نقول إن وراءه تاريخاً طويلاً من العمل المشترك بين الأمم الأوروبية، وأن وراءه تراكماً ممتداً من التعاون بين عواصم القارة العجوز، منذ أن كان هذا الاتحاد فكرة وليدة في صورة اتحاد للفحم والمعادن، إلى أن صار سوقاً أوروبية مشتركة، إلى أن أصبح اتحاداً في مقابل الولايات المتحدة على الشاطئ الآخر من الأطلسي. 

 هذا التراكم في خطوات النشأة لا بد أن ينعكس على الطريقة التي يعمل بها الاتحاد في هذه اللحظة، ولا بد أن يكون له تأثيره المرئي على أداء الأوروبيين في بروكسل. 

 ولكن هذا نفسه لا ينفي أن الذين يقارنون بين الجامعة وبين الاتحاد، إنما يريدون أن يكون للجامعة قرارها الحي في كل قضية تواجه العرب في عالمنا المعاصر، وفي كل مسألة يكون عليهم فيها أن يتفاعلوا مع عالمهم على نحو ما يتعين أن يكون التفاعل. 

 وقد كانت للجامعة مواقفها المرصودة طبعاً، ولا نزال نذكر موقفها في رفض الغزو العراقي للكويت، وكيف أنها كانت أرضاً لرفض الغزو بكل الأشكال. 

 وذات يوم كان الدكتور نبيل العربي، أمين عام الجامعة السابق، قد ضج من كثرة الانتقادات التي كان يجد نفسه في مواجهتها كلما تعلق الأمر بالجامعة وبأدائها العام، وكلما انعقدت مقارنة بينها وبين الاتحاد الأوربي في الكثير من المرات. وكان الرجل قد قال في إحدى هذه المرات، إن وضعه كأمين عام على رأس الجامعة العتيدة، إنما يشبه رجلاً يقود سيارة موديل 1945 في العقد الثاني من القرن الحادي والعشرين. 

 وكان القصد أن ميثاق الجامعة الذي يحكم عملها وحركتها ويقيده هو كأمين عام قد تقادم به الزمن، وأنه بحاجة إلى تعديل، وأن تعديله يجعل سيارة الأمين العام سيارة آخر موديل، وهو يسعى بها بين باقي سيارات العالم المماثلة. 

 طبعاً.. عبارة الدكتور نبيل العربي تظل لها وجاهتها، ولكن، هل الميثاق هو المشكلة؟ هذا هو السؤال الذي لا بديل عن أن نظل نبحث له عن إجابة، ونحن نرقب زحف الجامعة نحو المئة سنة من عمرها الطويل.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"