هذا المحتوى الرديء

01:03 صباحا
قراءة 3 دقائق

عبدالله السويجي

الناس ليسوا جميعاً أسوياء، هنالك عوامل كثيرة تلعب أدواراً مهمة وفاصلة في تكوينهم النفسي والاجتماعي والغرائزي والأخلاقي، وتعمل على تعديل طبائعهم وتحويرها، فإما تأخذهم نحو الانحراف والشذوذ والعنف والشر، وإما تقودهم نحو الفضيلة والخير.

  ولا نريد هنا الدخول إلى الجدل الذي يحتدم منذ وُجد الإنسان على هذه الأرض، والذي يتمحور حول إن كان الإنسان مخيّراً أو مُجبراً، فكل مفردة تحمل في طياتها النسبية وليس التطرف، فالإنسان العاقل الواعي المسؤول عن تصرفاته هو إنسان يتحمل تبعات سلوكه وآثارها، ولهذا فهو مخيّر بنسبة كبيرة جداً. ومن العوامل المفصلية التي يستمرئ الإنسان في اتكائه عليها هي: البيئة، والتنشئة، والثقافة والوعي، وأضيف عامل جوهري بعد أن تحول العالم إلى شاشة فضية صغيرة وهو الإعلام بشقيه المرئي والمسموع، والعادي والإلكتروني، والذكي والطبيعي. ومن دون أدنى شك فإن هذه العوامل مجتمعة تلعب أدواراً خطِرة في تكوين الإنسان النفسي والاجتماعي والغرائزي والعاطفي والثقافي وتؤثر فيه حسب انصياعه والسماح لها باستدراجه.

  لقد كثرت القصص التي تنقل أحداثاً يندى لها الجبين، قصص تحكي عن جرائم لا تمت إلى الانفعال والثأر بصلة، إنما إلى بشر فقدوا إنسانيتهم واقتربوا من مرتبة التوحش، قصص تتعلق باغتصاب الأطفال وقتلهم، قصص تتعلق بقتل الأخ أو الأب أو الأم أو الابن لأسباب واهية ورعناء، هؤلاء لا نستطيع وصفهم بالمرضى النفسانيين ولا بالمجانين ولا بالمدافعين عن ذواتهم، لأنهم قبل ارتكابهم للجرائم كانوا يمارسون حياتهم الطبيعية كعقلاء وربما يذهبون إلى العمل الوظيفي أو المهني.

  وسنتجاوز النقاش المرتبط بالبيئة والتنشئة نحو مرب جديد ومعلّم جديد أخذ ينفث سمومه في النفوس والأرواح، ونكرر، مع استمراء شخصي، وتواطؤ غبي استجابة للغريزة والدم، وانبهاراً بالمشاهد التي تتكرر وتتكرس، وهذا المربي الجديد هو المحتوى العنيف والمرعب والمشبوه في وسائل الإعلام، إن كان في وسائل التواصل الاجتماعي، أو على المنصات الإعلامية مثل اليوتيوب والنتفلكس وحتى القنوات العادية المعروفة وغيرها، وهذا الأخير، النتفلكس، تحول إلى ماكينة تبث الجريمة والانحراف على مدار الساعة، من خلال الأفلام والمسلسلات، وبطرق جذابة تسيطر على العقول وتجمّل لديها الأفعال المنافية للأخلاق والطبيعة، وتبرر الانحراف والشذوذ وهدم القيم الأسرية، وتجعل من مشاهد الرعب تسلية؛ حيث يتحول مشهد التعذيب، مع التكرار، إلى مشهد عادي وطبيعي، ناهيك عن اللغة المبتذلة التي تصاحب المحتوى الذي لا يهدف إلا إلى ترسيخ مجموعة القيم المتخلفة والعادات السيئة، وهذا الحكم ليس نسبياً، إنما تتفق عليه كل ثقافات الشعوب وأديانها وقوانينها وأعرافها، والأمر المدهش والمستغرب أن الوصول إليه متاح وسهل وغير مكلف.

  لسنا في وارد تقديم خطبة في الأخلاق، لكننا نلفت الانتباه إلى الآثار التراكمية والنتائج المذهلة لذاك المحتوى الإعلامي المخيف، المنتشر على الصعيد العالمي، والذي يروج للاتجار بالبشر وترويج المخدرات وجعل الشذوذ طبيعياً ومقبولاً. هذه الوسيلة (الذكية) تساعد وبشكل كبير على انتشار الجريمة بكل أنواعها مع استمراء الفرد للمحتوى وقبوله، وطبعاً، هذا القبول يستند إلى استعداد بيئي وثقافي وغرائزي تربوي.

  لا نستطيع المطالبة بحظر هذا المحتوى المدروس بدقة والمحدد الأهداف، لأنه عالمي ومرتبط بالشبكة العنكبوتية، لكننا نستطيع أن نكون أقل اعتماداً عليه، وإن دعت الضرورة أن نبتعد عن الأجهزة الذكية قليلاً، لأنها باتت في متناول الأطفال، إضافة إلى الكبار، وبات أثرها واضحاً على الأجيال.

القضية عالمية بامتياز، ولهذا فإن الجهد المحلي والإقليمي لن يكون كافياً للتصدي لها، وفي حاجة إلى قرارات سياسية عالمية بإعادة تعريف حرية البث والحرية الشخصية، حتى لا نستيقظ ذات يوم ونجد أنفسنا عبيداً أو ضحايا لهذا المحتوى الرديء.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"