المقارنة مغامرة خطرة

00:10 صباحا
قراءة دقيقتين

يحيى زكي

لماذا غزا الأوروبيون أستراليا والعالم الجديد وليس العكس؟ لماذا لم يصبح بلد إفريقي واحد قوياً بما يكفي لتهديد أوروبا؟ لماذا كانت تجارة الرقيق باتجاه واحد؟ ولماذا حدثت الثورة الصناعية في بريطانيا وليس في دولة أخرى كفرنسا أو الصين؟ حزمة أسئلة بالغة الأهمية يجيب عنها وزير المالية اليوناني الأسبق يانيس فاروفاكيس، ببساطة منقطعة النظير، في كتابه «الاقتصاد كما أشرحه لابنتي». 

يعتمد فاروفاكيس في إجابته عن كل سؤال على حزمة معطيات تتعلق بحركة البشر وأوضاعهم الاجتماعية وما يعيشونه من صراعات، لا يلتفت كثيراً إلى الأفكار وتأثيرها، ويقدم مقارنات شاملة بين مختلف القوى العالمية، آنذاك، تقنع القارئ في النهاية بوجهة نظره في أحداث تاريخية شكلت مصير البشر لقرون طويلة.

هل بالإمكان طرح نماذج مماثلة من هذه الأسئلة في الثقافة العربية؟ سؤال معروف الإجابة سلفاً، هناك بالفعل، كثير من الأسئلة الشبيهة، ولكن الإجابات وطرائقها كانت مختلفة. فلو عدنا مثلاً، إلى سؤالنا الأبدي: لماذا تراجعت الحضارة العربية؟ سنجد إجابات تميل إلى جلد الذات مصحوبة بسرد التفوق الساحق للغرب، مع إهدار بقية الآخرين، وكأن العالم يتوزع إلى قسمين: العرب والغرب، وربما يكون هذا سبب فشل الاستفادة من تجارب النهضة في الشرق الأقصى، فنحن لم نر اليابان أو الصين بعيوننا أو بعيونهم، ولكن في الحقيقة كنا ندرس هذه النماذج بمنظور غربي، هو خطأ جوهري في منهج المقارنة أساساً، وسوء تقدير لموقع الجميع على الخريطة العالمية.

ملاحظة أخرى تتعلق بأن معظم إجاباتنا عن السؤال السابق كانت «مفكرنة»، نحن تراجعنا لأننا لم نأخذ بهذه الفكرة أو تلك من الغرب، أو أهدرنا تراثاً فلسفياً مضيئاً في ثقافتنا، وشحيحة هي الأطروحات التي تلتفت إلى التشكيلات الاقتصادية وتعقيدات الحياة، كما عاشها أسلافنا، وأندر منها الأطروحات التي تمنح البطولة لهذه العوامل، وحتى إذا اكتفينا بالفكر كأساس لحركة الحضارة وتقلباتها، سنعثر على أنماط معينة من الأفكار، ولظروف عديدة، انتشرت لتفسير أسباب تراجعنا، أو أنماط أخرى مقولبة نادى بها المفكرون العرب لكي ننهض، ولك أن تسأل: لماذا ركز معظم منتجنا الفكري المعاصر على التجربة الفرنسية في التنوير؟ مع أن هناك التجربة الإنجليزية والأمريكية، وربما يرى أحدهم في ظرف آخر، وبوسائل مختلفة، أن التنوير الإنجليزي، مثلاً، كان الأقرب للحالة العربية.

اللافت في حالتنا أننا ثقافة مولعة بالمقارنة، مع الغرب تحديداً، وفي المجالات كافة سياسة واقتصاد وأساليب حياة، وهناك هاجس يتملك الجميع بداية من النخبة حتى رجل الشارع العادي؛ أي أنها حالة لا تقتصر على الفكر فحسب، كما أن المقارنة عندنا، مختلفة، فهي تتعلق بالحاضر والمستقبل غالباً، وترتبط بقضايا حيوية، وليست نزهة تاريخية، مع الأخذ في الاعتبار أن من يقارن هو في حالة إقبال على اختيار بين بدائل متعددة، ولو نظرياً على الأقل. من هنا تأتي أهميتها وخطورتها، وضرورة أن تكون مؤسسة على رؤية واضحة ومنهج علمي، حتى نتمكن من الاختيار بين الجيد والأفضل، وليس بين السيئ والأسوأ.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"