سلبيات تاريخية ثقافية

00:39 صباحا
قراءة دقيقتين

يحيى زكي

في نهايات القرن الماضي رصد المفكر الفرنسي من أصل بلغاري تزفيتان تودروف في كتابه «الأدب في خطر»، حالة الانحدار التي يعانيها الأدب الغربي: تدريساً وتنظيراً وإبداعاً، لقد حاول أن يساعد أولاده على دراساتهم الأدبية في المرحلة الثانوية، وصدم نتيجة لمحتوى المناهج الأدبية وطرائق تدريسها، الكتاب موجه إلى القارئ العادي، ويستخدم فيه الحجج البسيطة والمباشرة المؤيدة لوجهة نظره التي يؤكد فيها ضرورة الاهتمام بالأدب، ما يقوله مثلاً بخصوص أن دراسة الأدب بالنسبة للطبيب أهم من الرياضيات يبدو ضرباً من الأوهام في أماكن أخرى قد تعارض هذا الرأي من قبل من يوصفون بالأدباء أنفسهم، الأدب لدى تودروف ينمي ملكة الخيال، وهي الملكة الأكثر علمية من ملكاتنا الأخرى كافة، الأدب إبداع جمالي، ولا شيء حقيقياً سوى الجمال، الأدب ثالثاً نزعة أخلاقية يكسب قارئه حساً مختلفاً بقضايا الآخرين والعالم من حوله.

أما موريس بيرمان في كتابه «انحطاط الحضارة الأمريكية»، فيورد معلومات بالغة الأهمية عن الوضع الثقافي في أمريكا، 40% من الأمريكيين لا يستطيعون تحديد مكان اليابان على خريطة العالم، 15% لا يعرفون مكان الولايات المتحدة نفسها، 58% لا يفهمون افتتاحية الصحف الكبرى، 60% لا يعرفون كيف تأسست بلادهم، 21% يعتقدون أن الشمس تدور حول الأرض، 60% لم يقرؤوا كتاباً طوال حياتهم، النظام التعليمي منهار، أما الأدب الرفيع فقد اختفى.

نموذج ثالث دال نجده في كتاب «مواطن الحداثة» للمفكر شاكرابرتي، فالثقافة الهندية تعاني إشكالاً حاداً في الهوية بين الموروث والوافد، وفي الكتاب صور أدبية تتجاوز في حدتها الكثير من المشاهد التي طالعناها في كتابات آباء النهضة العربية وتنظيرات الأجيال اللاحقة من المثقفين العرب، سواء في ما يتعلق بالفقر أو الجهل أو معوقات التقدم تحدث الآن وهناك في الهند.

هنا لا بد أن نسأل، وماذا عن الوضع التعليمي والثقافي في العالم العربي؟ وربما يتبادر إلى الذهن سؤال آخر، إذا كانت هذه النماذج في بلدان معروفة بعراقة ثقافتها وقوة مؤسساتها التعليمية، وتحدث عدد من أبرز مفكريها عن تردي الأوضاع في نهاية القرن الماضي، فماذا عن الصورة الآن بعد نحو ربع قرن تراجعت فيه المعرفة بصورة حادة نتيجة للتكنولوجيا الحديثة وامتداداتها المختلفة؟

بالنسبة للسؤال الأول، فالوضع في العالم العربي لا يختلف عن الآخرين، فنحن جزء من العالم نتأثر به، وإذا كانت الثقافة والمعرفة يتراجعان منذ الربع الأخير من القرن الماضي، وحتى الآن، لأسباب عديدة، فإن التراجع نفسه شهدته الساحة العربية، مع فارق أننا لا نمتلك بنى ثقافية ومعرفية قوية وراسخة مثل المراكز المتقدمة، فهناك سلبيات تاريخية عديدة في ثقافتنا، مثل انخفاض معدلات القراءة وتوزيع الكتب، والإقبال على تخصصات أكاديمية علمية تجد فرصاً بعد التخرج في سوق العمل، ولذلك مع اكتساح مواقع التواصل للعالم، تبدو ثقافتنا أكثر تأثراً من الآخرين، ففي وسط تضعف فيه أصلاً القراءة والاهتمام بالمعرفة وتكتسحه الصورة بتجلياتها المختلفة ستكون النتائج أكثر كابوسية من أي مكان في العالم.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/bdj6x7y2

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"