الكوكب المجهول

00:03 صباحا
قراءة دقيقتين

يحيى زكي

اليابان، تلك الدولة التي نتعامل معها في الإعلام أحياناً بوصفها ذلك الكوكب المجهول، تمتلك على العكس من ذلك حضوراً قوياً في المجال الثقافي والفكري العربي. لقد فتح النموذج الياباني آفاقاً بحثية رحبة أمام مختلف التيارات الفكرية العربية، فهو بلد ينتمي إلى الشرق مثلنا، واستطاع استيعاب ثقافة العصر من دون التخلي عن أصالته، فضلاً عن أنه بلد فقير الموارد، واستطاع النهوض أكثر من مرة خلال أقل من مئة عام، والأهم من ذلك أنه كان يثير الإعجاب في العديد من المراحل التي طرح فيها المثقفون العرب سؤال التقدم.

بدأ هذا الإعجاب مع بدايات القرن الماضي، حيث صعدت اليابان في فترة قصيرة، منذ إصلاحات عصر مايجي، لتكون قوة عالمية، وما آثار الانتباه والتوقف أن ذلك العصر بدأ في النصف الثاني من القرن التاسع عشر، بعد تجربة محمد علي المميزة في مصر، ويقال إن رحلات أرسلتها اليابان في وقت مبكر للتعرف إلى إنجازات محمد علي، وتزايدت وتيرة الاهتمام مع مفكري النهضة العربية، في مرحلة الاستعمار؛ حيث طرحوا سؤال: «لماذا تراجع العرب، وكيف يتقدمون؟»، وعلى الرغم من أن إجابات كثيرة لهذا السؤال كانت تضع نصب أعينها التجربة الغربية، فإن البعض توجه إلى اليابان، التي أثارت الدهشة مرة ثانية في أعقاب نهوضها السريع بعد الحرب العالمية الثانية.

الملاحظ كذلك أن التوجه العربي إلى ذلك البلد لم يكن أحادي الاتجاه، فهناك كتابات يابانية عن العالم العربي، لعل أبرزها كتاب «العرب.. وجهة نظر يابانية» للمستعرب نوبو أكي نوتو هارا، وهو يختلف في روحه وما يقدمه من أفكار عن الاستشراق التقليدية، صحيح هناك نقد لبعض الأفكار والسلوكيات العربية ولكنك تشعر أنه نقد لا يستهدف إلا الإصلاح، ولا يسعى إلى التشويه أو إلى تحقيق أهداف سياسية. وحتى وجهة نظر المثقف الياباني المبكرة مختلفة للغرب، وهو ما يؤكده قراءة كتاب «انطباعات رحالة ياباني عن فرنسا» وصدرت ترجمته منذ عدة سنوات ويدور حول مذكرات رحالة ياباني سافر إلى باريس في عام 1864، ومشاهداته لا تتميز بالانبهار المطلق بالغرب كما هي الحال في تجارب عربية مماثلة. بمعنى أن تعامل اليابان كان مختلفاً مع الآخر، سواء انتمى هذا الآخر إلى الشرق أو الغرب.

وفي يناير/كانون الثاني من عام 2001 أطلقت اليابان، مبادرة الحوار الإسلامي- الياباني، وعلى مدار السنوات اللاحقة عقدت الندوات والمؤتمرات المختلفة على هامش المبادرة، هذا فضلاً عن نشاط الجمعية اليابانية لدراسات الشرق الأوسط، التي تتميز بقضاياها اللافتة، وفي أحد مؤتمراتها عام 2010 ناقشت آثار الحملة الفرنسية على مصر والمنطقة.

نحن ننبهر بسمات يابانية لافتة مثل جودة التعليم والتقدم العلمي والاقتصادي والتنظيم واحترام الآخرين، لكن كل هذه السمات مظاهر لجوهر أعمق لم ندرسه على الوجه الأمثل بعد، ربما تكون إرادة النهضة أو الإيمان بحتمية التقدم والوجود في العالم، وحتى نضع أيدينا على هذا الجوهر ستظل اليابان بالنسبة إلينا ذلك «الكوكب المجهول».

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/44s2xmpp

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"