أساطير الإعلام

00:20 صباحا
قراءة دقيقتين

يحيى زكي

عندما نفتح بعض أدبيات علم الاجتماع، نجد أن إحدى «أساطير» الإعلام بدأت تلفت انتباه الفلاسفة وعلماء الاجتماع وصانعي القرار منذ إحصائيات تمت فبركتها في بلد طالما تباهى بالإعلام الحر غير الموجه، وتمثل ذلك في واقعة خروج حوالي 1،2 مليون أمريكي إلى الشارع في حالة من الخوف والهلع لأنهم سمعوا صوت أورسون ويلز في الإذاعة في عام 1938 يخبرهم بغزو الكائنات الفضائية لكوكب الأرض.

يؤكد البعض أن ما قاله ويلز لم يكن مفزعاً إلى هذه الدرجة، وأن علم الاجتماع الأمريكي بنزعته الامبيريقية، آنذاك، أجرى دراسة على 135 شخصاً استمعوا لويلز قال أكثر من مئة منهم إن البرنامج أقلقهم، وعلى هذا الأساس اعتبر الباحثون أن هذا العدد الضئيل عينة تعبر عن إحساس أكثر من مليون إنسان بالفزع والهلع.

في وطننا العربي بإمكاننا تلمس تحول الإعلام إلى أسطورة عندما نقرأ لمفكر مثل محمد عبدالله الغذامي الذي يذهب في كتابه «النقد الثقافي» إلى القول بأن الخطاب الإعلامي هو الوريث الشرعي لما يقرب من ألفي عام من الشعر العربي.

الإعلام بمفرداته وتجلياته أصبح القاسم المشترك الأكبر للنشاط الذهني في حياتنا المعاصرة، تحول إلى صناعة يرافقها جهد إبداعي منتج لأدبيات فكرية، منذ معرفتنا بقوة الدعاية النازية التي أسقطت بولندا كما يقال من دون طلقة رصاص واحدة، وحتى تخريجات فيلسوف مثل جان بودريارد الذي رفض وقوع حرب الخليج الثانية، واعتبرها صناعة إعلامية، بتنا نشعر مع الإعلام أننا أمام «لويثان-وحش» توماس هوبز أو «صندوق بندورا» وأن عقولنا يتم التلاعب بها على حد تعبير دارس الإعلام المهم هربرت شيلر.

يفسر بعضهم حالة الافتتان بالصورة، وهي أسطورة أخرى، على أساس أن اهتمام المتفرج بها يعادل تعرف الطفل إلى نفسه عند رؤية صورته في المرآة، والأهم أن هذا التعرف وإدراك المطابقة بين الأصل والصورة يثير الإحساس باللذة، هل تحدث الصور الإعلامية كل هذا التأثير؟ نحن هنا قد نستفيد من تحليلات نفسية واجتماعية ولكننا لا يمكن أن نغفل تحليلات أخرى ركزت على الاقتصادي لتفسير الأسطورة الإعلامية التي نعيشها وفي القلب منها صعود الصورة.

تقوم فكرة العولمة في تجلياتها الاقتصادية على مفردة الشركات عابرة الجنسيات والتي صاحبتها فكرة تقسيم العمل الدولي، فلنضع هذه المفردة جانباً ونتابع تحليلات اقتصادية أخرى تتحدث عن انهيار الطبقة الوسطى في العالم بأكمله ونشأة العمالة الرثة، في مقابل صعود مجموعة من الأفراد والشركات التي تتحكم في الاقتصاد المعولم، وكان لابد أن ترافق تلك الحالة صور كوكبية مسطحة تعطي الإحساس باللذة الفائقة.

مع مواقع التواصل، نشأت حقبة جديدة من الإعلام، يبدو من الخارج أنها مختلفة تماماً، لا رقابة فيها، وتتمتع بقدر كبير من الفردية وحرية التعبير، ولكننا نكتشف يوماً بعد يوم أنها ليست أكثر من امتداد ل«أساطير» الإعلام، فكل ما عانيناه في الماضي من سلبيات الإعلام، يتضاءل أمام تأثير تلك المواقع.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/mr33j538

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"