واجهات المباني

00:15 صباحا
قراءة دقيقتين
صباح الخير

في كثير من الشوارع، تصطفّ المباني على يمينها ويسارها، وعفوياً، نرفع رؤوسنا بين الحين والآخر، نطالع السماء، بما فيها من غيوم أو شمس ساطعة، أو قمر متلألئ.. لكن قد تصطدم عيوننا بمناظر مؤذية، لواجهات يملأها الغبار أو الأوساخ أو مخلفات الطيور..
هذه المباني، بواجهاتها الزجاجية، موجودة وباقية، وهي مواقع أنظارنا، والشيء الطبيعي والباعث على الارتياح، أن تكون هذه الواجهات نظيفة لامعة مبهجة، تبعث في النفس الألق. 
بعض الشعوب في دول أوروبية، قرروا طلاء واجهات مبانيهم بألوان زاهية، وكتابة أشعار أو كلمات معبّرة وجميلة عليها.
كم يشعر هذا الأمر بالبهجة، بأن شعوباً في عصر الإنترنت وما يسمّى «مواقع التواصل» المتعددة التي قطعت في الواقع التواصل المباشر والحميم والنبيل بين البشر، بل صارت التحايا عبر «الواتس» والتهاني بوساطة «الفيس»، والأخبار بتغريدات «تويتر».. وهكذا، هذه الشعوب، اختارت الشكل التقليدي الجميل للتواصل، وكتبت أشعار أدبائها ومثقفيها، ومبدعيها على واجهات بيوتها، ما يعطي إحساساً للرائي، بتذوق الجمال مرتين: الأولى إجلاء البصر بجمال الخط، وتناسق الحروف، وتناغم الألوان، والثانية، ملء النفس بالمعاني البليغة، والمفردات البديعة، وعمار الروح بحلاوة الشعر، واستذكار هؤلاء المبدعين، لكننا نشعر في الوقت نفسه بالحسرة؛ لأنّ أجدادنا العرب قبل أكثر من ألفي سنة، كتبوا قصائد شعرائهم الفحول، وعلّقوها على أستار الكعبة، وأخذت مسمّاها المعروف «المعلّقات»، فكانت تفعل فعلها في النفوس على مدار العام، حتى يحين الموعد الجديد لمباريات الشعراء، في عكاظ.
لا نطالب الآن ملّاك المباني أو المسؤولين عنها، أن يحذوا حذو أجدادنا العرب، أو شعوب تلك الدول، ويملأوا واجهات مبانيهم بقصائد الشعر، ولا أن يدبّجوا كلماتٍ وحكماً، ويطلبوا إلى خطاطين، كتابتها عليها، ولكن كل المطلوب، وهو أمر يسير وفي متناول أي مالك بناية، أو مسؤول عنها، النظافة، ثم النظافة.. فالواجهات معظمها مغطّى بأفضل أنواع الزجاج، أو المعادن المختلفة، وتتعرّض لعوامل الطبيعة المتنوّعة، من غبار ورطوبة وأمطار وأدخنة عوادم السيارات، فضلاً عن فضلات الطيور، وغير ذلك، فتبدو في أسوأ حُلة، فيبهت لمعانها، ويخبو بريقها، ويغدو منظرها منفّراً.
الوسائل الحديثة جداً للتنظيف متوافرة، وسهلة الاستعمال، وآمنة، وغير مكلفة، فلا تفسدوا أيّها الملّاك أو المسؤولون عن المباني، جمال العُمران، بقبح الإهمال؛ فمن حقنا أن نتمتع بمنظر النظافة، ومن حق نفوسنا أن ترتاح إلى البهجة، فأنتم لم «تقصّروا» في تحصيل الأجور المرتفعة التي ترهقون بها كواهل السكان، ولم تتوانَوا عن فرض بدل صيانة، وبدلات أخرى، تخترعون لها مسمّيات شتى، فأين المقابل؟ بادروا إلى التصالح مع النظافة، ومعايشة البهجة، فالحياة جميلة ويجب أن نعيشها فرحين، فنحن في بلد السعادة.
[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"