عادي
أثر القلب

«أيام الإنسان السبعة».. المحبة أسلوب حياة

01:20 صباحا
قراءة 3 دقائق

الشارقة: علاء الدين محمود
التصوف هو حياة البساطة والرضا والقناعة، والزهد في أجمل معانيه، حيث يترك الإنسان كل مغريات الدنيا ويعرض عنها ليقبل على السير في طريق الله تعالى، خالياً من كل شيء إلا المحبة ، وفي سبيل ذلك يروض المرء نفسه وينهاها عن الطمع والجشع ، لتحل محلها معاني الإيثار وحب الخير للناس كلهم. قريباً من تلك المعاني يسير بنا عبد الحكيم قاسم عبر روايته الفريدة «أيام الإنسان السبعة»، في عوالم شديدة الجمال والألق، ساطعة بأنوار المحبة، فالرواية لا تتحدث عن سيرة عابد أو سالك بل مجتمع بأكمله انتشرت بينه الفضائل الحميدة ، وغمرت أفراده قيم الحب، فهام في سفر مستمر إلى الحقائق، فأحداث العمل تدور في قرية مصرية، وتتناول وقائع يومية يعيشها مجتمع تلك القرية الذي اختار طريق البساطة.

يتناول العمل حياة الفلاحين الفقراء في القرية، وتفاصيلها، حيث يقضون صباحهم في العمل الشاق في زراعة الأرض التي تشدهم إليها وتربطهم بها برابط الحنين والحب، فما أن يأتي المساء، حتى يأخذهم العشق إلى «الحضرة»، حيث الذكر والإنشاد عقب الصلاة، يناجون ربهم بصورة جماعية، ويتقربون إليه عبر قراءة «دلائل الخيرات» و«بردة البوصيري»، في مشهد روحاني يحتشد بالبهاء والفيوضات، تكاد أرواحهم تعانق السماء، فتلك الأمسيات هي خالصة من أجل رب العالمين، يقبل عليها أهل القرية وزادهم هو المحبة والشوق، ذلك هو دفتر يوميات حياة هؤلاء البشر، من حب إلى حب، ومن حنين إلى حنين، تلك أيامهم التي يقضونها في طاعة الله تعالى، لا يلهيهم عن ذلك الواجب أي شاغل من شواغل الدنيا، ولا تحدثهم أنفسهم إلا بالعبادة والطاعة، والرواية ترسم صورا بديعة، حيث الدراويش بأرديتهم الخضراء، يدورون في حلقات الذكر فتسمو أنفسهم، ويأخذهم الوهج إلى عوالم أخرى غير التي تشغل الناس، حيث الحب والألق والجمال.

1

رحلة

وإذا كانت أمسيات القرية مخصصة لذكر الله تعالى في ما يعرف بالحضرة، فإن أهل القرية يأخذهم الشوق إلى أيام في السنة شديدة الخصوصية، تلك التي يتوجهون فيها إلى مدينة طنطا، حيث مولد السيد أحمد البدوي، ذلك الفقيه الزاهد، والصوفي المعروف، لكن المحبة الأكبر، تلك التي يكنها له أهل القرى، فالرواية تعكس طبيعة ذلك المجتمع الذي نشأ على التدين والتقوى والطاعات والمحبة، فالذهاب إلى المولد طقس بديع، والعمل يحاول أن يقترب من تلك الحالة من السمو التي تتملك الناس وهم يسيرون حيث يلتقون من كل مكان من أرياف مصر في مشاهد بديعة، فقد استطاع الكاتب أن يسلط الضوء على الجانب الروحي من حياة المجتمع الريفي المصري.

حياة وادعة

في الرواية يبرز شخوص مشبعون بالحس الروحي مثل الطفل عبد العزيز، والدائرة الحياتية التي يتحرك فيها ضمن عائلة قروية تنتمي إلى التصوف والروحانيات، فشخصية عبد العزيز تكاد تكون هي المحورية داخل النص الروائي، فهو يتميز بالكثير من الصفات والقيم الرفيعة، فقد تربى في كنف والد علمه حب التصوف والفضائل، وهو الحاج عبد الكريم، ويرسم الكاتب مشهد بديع في وصف وقائع ليلة الحضرة، والتي تبدأ بعودة الحاج عبد كريم من صلاة المغرب مبكراً ليجلس في شرفة الدوار، على جبينه تراب من أثر السجود، وفمه مشغول بالتسابيح، في انتظار أصدقائه الذين يتوافدون تباعاً في ليلة للسمر يتثاءب فيها الوقت ويمد السلام جناحيه فوقها، وجل أبطالها من الحاضرين، وذكرياتهم المشتركة في الغالب ذكريات من رحلة السنة الماضية إلي المولد، بما جرى فيها من صلاة وإطعام للفقراء.

لوحات

والرواية مقسمة إلي سبع لوحات هي: الحضرة، الخبيز، السفر، الخدمة، الليلة الكبيرة، الوداع، والطريق، وهي تحاكي رحلة الإنسان في حياة راكدة ومضنية هي أيام الإنسان السبعة.

كتبت الرواية بلغة رفيعة وباذخة، حيث أبدع الكاتب في السرد ورسم الشخوص والأحداث، وتجلى الجمال بصورة خاصة في الوصف، حيث شيد المؤلف لوحات من تفاصيل الوقائع اليومية، فصور الثراء والتنوع في حياة أهل القرية والدراويش والموالد وبشر كرسوا حياتهم وأقواتهم لخدمة كل ما يقربهم من الله تعالى، واللافت في العمل أن البطولة الحقيقية فيه لأجيال متعاقبة على القرية، يتمسك كل جيل فيها بالفضائل والأخلاق والقيم المتوارثة، وبالتجارب الروحية التي تربوا عليها فقادتهم نحو طريقة مختلفة في العيش، حيث صارت المحبة طريقة في الحياة.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"