عادي
التاريخ الشفوي يتحدث

لسان الرواة.. ذاكرة الثقافة الشعبية الإماراتية

23:06 مساء
قراءة 5 دقائق
1703

يوسف أبولوز

في السابع من يوليو عام 1984 بدأ الباحث والصحفي عبدالله عبدالرحمن، سلسلة مواد ميدانية كان ينشرها بشكل أسبوعي في جريدة الاتحاد تحت عنوان «فنجان قهوة» جمعها في ما بعد في ثلاثة أجزاء من الكتب تحت عنوان «الإمارات في ذاكرة أبنائها»، وغطت هذه الذاكرة الحياة الثقافية والاقتصادية والاجتماعية في الإمارات من خلال زيارات منتظمة قام بها عبدالله عبدالرحمن، لبيوتات أعلام رواة وإخباريين في الإمارات، وزار رجالات علم وثقافة وشعر وتراث يحفظون في صدورهم كنوزاً من الحكايات والقصص والسرديات الحية التي ستكون قوام الجزء الأول من هذه الذاكرة حول الحياة الثقافية في الإمارات.

الجزء المتصل بالحياة الثقافية يهم كل صحفي يعمل في مجال الثقافة بشكل خاص، كما أن الجزء المتصل بالحياة الاقتصادية والاجتماعية يهم بالضرورة كل صحفي يعمل في مجالي الاقتصاد والمجتمع.

يشير عبدالله عبدالرحمن، إلى أهمية هؤلاء الرواة في مقدمة مادته حول الحياة الثقافية في الإمارات «أولئك الذين كانوا رجال الفعل والتفاعل مع معطيات الماضي بكل صوره، وكانوا على صلة بالبيئة الاجتماعية والظروف الحضارية التي نبعث منها المادة الشعبية».

أصول وجذور الثقافة المحلية الإماراتية على فطريتها أو بريتها إن جازت العبارة تظهر تماماً في هذه المادة الميدانية البحثية التوثيقية التأريخية، ومن هنا تأتي أهمية هذه المادة ليس فقط للصحفي الثقافي؛ بل وأيضاً للروائي، والشاعر، والقاص، والمسرحي، وحتى الفنان التشكيلي والمعماري والمنشغل بثقافة الزيّ والطعام.

مصفوفة

نحن أمام مصفوفة كبيرة من الحكايات والسرديات الشفوية التي حوّلها عبدالله عبدالرحمن، إلى مادة موثقة مدونة من بوابة الصحافة، فهي كما قال الكاتب القاص محمد المرّ: «مسح شامل لذاكرة عشرات من أبناء هذا الوطن من مختلف الطبقات الاجتماعية وعن مختلف الفترات التاريخية»،

وأضاف المرّ أن هذه الذاكرة هي من أفضل المصادر في دراسة تاريخ المنطقة من جميع الزوايا الاقتصادية والاجتماعية والتعليمية والإدارية.

كان حبيب الصايغ، من أكثر المتحمّسين لهذه المادة الثقافية الميدانية والبحثية في آن، وأكثر من مرّة كتب مباشرة في هذا الشأن، ويهمّنا هنا الإشارة إلى هذه الآراء لكي نقوم بالبناء عليها، فمثل الجهود التي قام بها عبدالله عبدالرحمن، لم تتكرر إلى اليوم إلا في حدود قليلة جداً، بل، لا تصل إلى مستوى العمل الميداني الثقافي العام الذي قام به عبدالرحمن.

يشير حبيب الصايغ، في سياق تناوله مادة عبدالرحمن، إلى أنه ينبغي علينا دراسة مجتمع الإمارات البحري قبل النفط، وكذلك المجتمع الصحراوي، ويعتبر حبيب الصايغ، أن ما قام به عبدالرحمن هو بمثابة حوار مع الماضي.. يقول الصايغ: «.. الحوار مع الماضي، وبالضرورة مع المستقبل سوف يظل حياً، متوهجاً».

تستطيع قراءة علامات المكان، ورموزه، وإشاراته في إطار انثروبولوجي إذا شئت من خلال قراءة المادة الثقافية التوثيقية الميدانية في هذه الذاكرة الإماراتية.. ولنأخذ هنا تفصيلة «القهوة»، وظاهرة تحضيرها وشربها في المجتمع الإماراتي، وهي في الوقت نفسه ظاهرة ثقافية، وعلى سبيل المثال، ففنجان المرأة لا يملأ بالقهوة، كما لا يُمْلأ الفنجان المقدّم للرجل، النساء يتناولن القهوة أكثر من ربع الفنجان حتى نصفه، والقهوة بحسب معلومات عبدالله عبدالرحمن تصنع ثلاث مرات في اليوم.. قبل أذان الفجر، وبعد الظهر، وعند المغرب، وقد أورد الباحث نماذج شعرية شعبية عديدة تتصل بهذا المشروب الشعبي المتداول على نطاق واسع بخاصة في البيئة الصحراوية.

أوائل الأعلام

الشيخ مجرن بن محمد المجرن «الكندي» من أعلام القضاء الأوائل في الإمارات يتذكر زمن الكتاتيب، وهي فترة ثقافية إذا أردت موضعتها عملياً في سياقها الاجتماعي، لكن دائماً، يمر الكثير من الباحثين على فترة الكتاتيب مرور الكرام كما يقولون، وما يهمّني هنا أن طبقة من النساء المدرسات كانت موجودة في فترة الكتاتيب وهي فترة الأربعينات والخمسينات من القرن العشرين. الشيخ مجرن، يتذكر بعضاً من أسماء تلك المدرسات المتعلمات: «إليكة»، «نافجة»، «عفرة»، وغيرهن.

نطالع شخصية ثقافية ريادية قديمة أيضاً. خلف بن عتيبة، من أربعينات القرن التاسع عشر إلى أربعينات القرن العشرين. أسس أول مدرسة من نوعها في أبوظبي عرفت بمدرسة العتيبة، ودامت قرابة 30 عاماً، وكانت تدرّس في ما تدرّس «لامية الشنفرى».

يكشف عبدالله عبدالرحمن، عن مخطوطة قديمة تعود إلى عام 1316 هجرية خطّها بقلمه الشيخ عبدالرحمن بن محمد بن حافظ 1886-1953 ميلادية، وجاءت المخطوطة في 150 صفحة، لكن ليس معروفاً في ما إذا كانت هذه المخطوطة هي للشيخ ابن حافظ، أم أنه فقط هو من قام بخطّها، وتعود إلى رجل آخر.

في تلك الآونة أي في نهاية القرن التاسع عشر والنصف الأول من القرن العشرين نحن نتحدث عن رجالات ثقافة إماراتيين أو من المنطقة كان عندهم مكتبات: «400 كتاب آنذاك في مكتبة ابن حافظ».

ماذا أيضاً؟... الشيخ حميد بن أحمد بن فلا يتحدث عن ذكريات أول بعثة سافرت للدراسة خارج الإمارات وضمّت 14 طالباً، أما «المطوّع» الحاج درويش بن كرم بن عبدالله 1919-1985، فقد كان معلماً، وإماماً، وطبيباً شعبياً، ومأذوناً، ومختّناً وهنا ما يمكن أن يُروى عنه لمن يريد توظيف هذه الحَيَوات القديمة في سرديات روائية أو قصصية معاصرة، فهو يذكر (أي الحاج درويش) أنه في أواخر عام 1971 قام بإجراء 200 عملية ختان في 3 ساعات فقط، لكنه بعد انتهائه من تلك المهمّة القياسية الكبيرة وقع مغشياً عليه وكانت تلك أول مرة يشعر فيها بالتعب بعد عمليات الختان.

أسس الشيخ علي بن محمد بن علي المحمود المدرسة التيمية المحمودية عام 1900، وبعد خمس سنوات من افتتاح المدرسة افتتحت مكتبة ضمّت كثيراً من الكتب وسمّيت «المكتبة التيمية». كانت مدة الدراسة تستمر 6 سنوات. كان الجلوس في الحصص الدراسية على الحصر أي السجاد المفروش على الأرض.

أدب البحر

ثمة معتقدات شعبية يمكن أن تبنى عليها سرديات قصصية أو روائية أو مسرحية.. هذه قصة أحد البحّارة الذي تلبّسه الجن في عرض البحر «أدب البحر» ليقوم أحد المطاوعة بالقراءة عليه لإخراج الجني منه: «كنت أحمل «خيزرانة» أي عصا محنية الطرف، فقرأت عليها آيات من القرآن وأسماء الله الحسنى ثم بللت ذلك الطرف المنحني من العصا بريقي ووضعته في أذني وبدأت أنفخ على العصا.. وما هي إلا لحظات حتى صرخ «الجني» الذي كان متلبساً أحد الغاصة الخمسة، ويقول: «دخيل الله شيخ.. سأخرج وسأتركه».. وظللت أنفخ حتى أخذت من «الجني» عهد الله وميثاقه بألاّ يقترب من الغوّاص».

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"