السودان.. الغني الفقير

00:32 صباحا
قراءة دقيقتين

صادق ناشر

من يتابع الأوضاع التي يعيشها السودان، يُدرك أن بلداً عظيماً بحجمه تحول إلى بلد مدين، ويبحث عن مساعدات من الصناديق والمؤسسات الدولية للقيام ببناء بنية تحتية تمكن سكانه من العيش في الحدود الدنيا، مع أن ما يمتلكه من ثروات في باطن الأرض وما فوقها، يجعله مكتفياً؛ بل يصدر ما يفيض عن حاجته إلى الخارج.

هذا الانطباع يتكون لدى أي متابع لأحوال السودان، الذي عرض رؤية في مؤتمر دولي عقد، الاثنين الماضي، لدعم خروجه من الضائقة المالية التي يمر بها منذ عقود، خاصة قبل وبعد سقوط نظام الرئيس السابق عمر حسن البشير، وتكمن الرؤية السودانية في ضرورة جذب الاستثمارات إلى البلاد، وعدم الاعتماد على المساعدات والهبات والصدقات، وهو ما أشار إليه رئيس الوزراء عبدالله حمدوك في افتتاح المؤتمر عندما قال، إن «السودان بلد غني للغاية، لا نريد صدقات، نريد استثمارات».

صحيح أن بلداناً عدة أسقطت متأخرات ضخمة على ديون السودان، تراكمت خلال السنوات القليلة الماضية، ما يسمح له بالحصول على تمويل دولي أرخص، إلا أن هذا الأمر لا يحل المشكلة، فالسودان بلد غني، لكن تم إفقاره بالسياسات التي تم اتباعها عبر الأنظمة المتتابعة على حكمه، وزادته الحروب الداخلية فقراً على فقر، مع أنه بلد يعد من الأغنى في القارة الإفريقية. 

واجه السودان الكثير من التحديات، أبرزها العقوبات التي فُرضت عليه من قبل الولايات المتحدة الأمريكية بإدراجه في قائمة الدول الراعية للإرهاب، لكنه منذ عامين يحاول الخروج من شرنقة العقوبات، وقد حصل على مراده بعد أن تم رفعه من هذه القائمة الجائرة، لكن ذلك لا يعني أن البلد يسير في الطريق الصحيح؛ إذ إنه من دون استغلال الثروات التي يمتلكها لن يكون قادراً على الخروج من العزلة الداخلية والخارجية؛ لأن ذلك يزيد من تكبيله أكثر وأكثر.

ليس السودان وحده من يعاني تبعات حكم الأنظمة الفاسدة، فمعظم البلدان النامية، ومن بينها بالطبع بلدان عربية عدة، تعاني الأزمة نفسها، والمشكلة أن هذه السياسة المتبعة تسحب تدريجياً فرص إنعاش البلدان، عبر الاعتماد على الخارج، وبالتالي يؤثر هذا على السيادة التي تبقى خاضعة للعرض والطلب، ويدفع بكثير من الأنظمة إلى الارتماء في أحضان الدول العظمى، عبر اللجوء إلى صناديق النقد والمؤسسات المالية الدولية لترتيب أوضاعها الداخلية.

السودان يحاول اليوم الخروج من أزمة الديون، وهي خطوة ذكية من قيادته الجديدة، غير أن الأمر لا يتعلق بالنوايا؛ بل بحزمة من القوانين والإجراءات التي يجب سنها وتطويرها من أجل الخروج من مرحلة الاعتماد على الخارج، إلى مرحلة الاعتماد على الذات، وهي الإشارة التي كررها حمدوك في مؤتمر باريس.

السودان يحتاج قبل الاستثمار إلى مصالحة سياسية واجتماعية، فمتى ما أنهى تسوية الملعب الداخلي سيكون قادراً على النهوض من جديد، والتحول من بلد فقير يعتمد على المساعدات إلى بلد غني، وله في رواندا الجار الإفريقي، أوضح مثال على ذلك.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

إعلامي

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"