ما نعرفه عن أرض بابل

00:30 صباحا
قراءة 3 دقائق

سليمان جودة

قال مصطفى الكاظمي، رئيس وزراء العراق، إنه لن يترشح في انتخابات البرلمان المقرر إجراؤها في العاشر من أكتوبر المقبل، وإن قراره عدم الترشح هو وفاء منه بعهد كان قد أخذه على نفسه أمام العراقيين يوم تولى رئاسة الحكومة. 

 قال الرجل هذا الكلام في الرابع عشر من هذا الشهر، وكانت المناسبة هي مرور سنة كاملة على وجوده على رأس الحكومة في بلاد الرافدين. 

  ولا بد أن هذه من المرات النادرة التي يفي فيها سياسي في المنطقة بعهود قطعها على نفسه أمام مواطنيه . 

  إننا إذا بحثنا عن أشياء يستحق الكاظمي عليها التحية خلال السنة المنقضية له في مقاعد الحكم، فسوف نصادف أشياء هنا وأشياء هناك ، ولكن الشيء الأبرز الذي لا بد من تسجيله في صفحته السياسية، هو هذا الاحترام لعهد كان قد بادر فأخذه على نفسه يوم جاء إلى السلطة، وقد كان في مقدوره ألا يفي بما تعهد .

  ولكنه فضّل أن يسجل اسمه في سجل السياسيين القلائل في منطقتنا، الذين إذا تعهدوا بشيء التزموا به ولم يتحللوا منه مهما كانت الإغراءات. 

  وهو لم يتوقف عند حدود ذلك، ولو توقف عنده لكان قد كفاه، وكيف لا يكفيه وهو يؤسس لمبدأ سياسي في بلاده، لا يتمنى أي عراقي شيئاً في هذه اللحظة، إلا أن يصير مثل هذا المبدأ قاعدة سياسية يلتزم بها كل سياسي عراقي في مستقبل الأيام.

  لم يتوقف الكاظمي عند حدود ذلك، وإنما أضاف أنه تولى الحكومة في ظروف كانت تشهد أزمة اجتماعية حادة في العراق، وأن تلك الأزمة يمكن إرجاعها إلى مسببات كثيرة في وقتها، ولكن السبب الأهم في تقديره هو: سوء الإدارة. 

 والحقيقة أنه في الكلمتين الأخيرتين قد وضع يده على نحو مباشر فوق أصل الأزمة في بلاده، فليس من تفسير لما يعانيه العراقيون في بلدهم سوى سوء الإدارة .. وبالتحديد سوء إدارة موارد بلد هو الأغنى تقريباً في منطقته وفي الإقليم المحيط. 

  أتحدث عن بلد يتمتع بنهرين اثنين يشقانه  من الشمال إلى الجنوب، وأتحدث عن بلد أعطاه الله تعالى ثروة في باطن أرضه لم يعطها لبلاد كثيرة من حوله، وزادت السماء فمنحت العراق من الأرض الصالحة للزراعة ما لم تمنحه لدول متعددة في الجوار. 

  كان الكاظمي يقصد هذه الثروات، وهو يتكلم عن سوء الإدارة، لأن حُسن إدارتها لا يعني سوى أن يكون لها عائد مباشر في حياة الناس، وهي لن يكون لها هذا العائد إلا إذا صادفت حكومة تعرف مبادئ الإدارة الصحيحة، وتعرف بالتالي كيف تستخدمها في توظيف ثروات البلد في مكانها الصحيح. 

  أذكر أن يوماً قد جاء على المنظمة الدولية للتربية والثقافة والعلوم (اليونيسكو) في باريس، فأعلنت فيه أن نسبة الأمية في العراق هي صفر!.. وحين يجري الإعلان عن ذلك على لسان المنظمة الأهم عالمياً في تخصصاتها الثلاث، فمعنى هذا أن العراق كان يومها في موقعه المستحق بين الأمم، وكان يحصل على شهادة من اليونيسكو هو أحق بها بكل مقياس.  

أرض بابل التي نعرفها باسم العراق، هي أرض تجلس على تاريخ نادر، ومن حقها أن تذهب إلى مستقبل من نوع تاريخها، ولا سبيل إلى ذلك سوى حُسن إدارة ثرواتها! 

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"