عادي

التقيد بآداب قبول الدعوة يمنع التطفل والإهانة

22:36 مساء
قراءة 4 دقائق

د. سعد الدين الهلالي
لم يترك الإسلام أمراً إلاّ وضبطه بأدبه وأخلاقه، حتى يرقى بسلوك الإنسان ويوثق علاقته بكل من يحيط به ويتعامل معه. وفي ديننا العظيم آداب لقبول الدعوة والاعتذار عنها، ينبغي أن يتعرف عليها كل مسلم، حتى لا يتسبب في إهانة نفسه أو غيره بالتطفل على الآخرين، ومفاجأتهم بحضور حفل أو مناسبة دون أن يدعى إليها.

يقول د. سعد الدين الهلالي، أستاذ الشريعة الإسلامية بجامعة الأزهر: الإسلام جاء بكل ما هو راقٍ من السلوك في كل المواقف، ولا يترك موقفاً للمسلم ليتصرف فيه على هواه، أو بشكل عشوائي فيتسبب في إساءة لنفسه أو من يرافقه.

وفي الآداب الإسلامية الخاصة بإجابة الدعوة لتناول طعام أو حضور حفل أو مناسبة تتجلى فيها كل المعاني الإنسانية، وفق الهلالي، إذ يرسم الإسلام للمسلم صورة كريمة، ويرقى بحسه الإنساني، ويلزمه بكل ما هو متحضر.

ويشير الهلالي إلى أن من أبرز آداب قبول الدعوة في منظومة الإسلام الحضارية ما يلي:

- شكر الداعي على دعوته، إذ احترم المدعو وتذكره له، والدعاء له ولأهل بيته بالبركة وسعة الرزق، خاصة إذا ما كان المدعو إليه طعاماً، وقد روي عن عبدالله بن بسر السلمي أنه قال: جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أبي، فنزل عليه فأتاه بطعام وحيس وسويق وتمر، ثم أتاه بشراب، فناول من عن يمينه، ثم دعا لهم، فقال: «اللهم بارك لهم فيما رزقتهم. واغفر لهم وارحمهم».

وأفطر رسول الله صلى الله عليه وسلم عند سعد، ودعا له قائلاً: «أفطر عندكم الصائمون، وصلت عليكم الملائكة، وأكل طعامكم الأبرار»، أي جعل الله بيتكم دار كرم للجائعين، وجعل الله ملائكته الكرام يصلون عليكم، أي يدعون لكم بالخير والبركة، وجعل الله ضيوفكم الذين يأكلون طعامكم من أهل البر وذكر النعمة، لا من أهل الحسد واللؤم.

- تقديم الاعتذار عند وجود ما يمنع تلبية الدعوة، أو إذا طرأ أمر على صاحب الدعوة يمنعه من تلبيتها بالحضور، فذلك من الأدب اللائق بالداعي لعموم قوله تعالي: «هل جزاء الإحسان إلا الإحسان».

وإذا كان عند المدعو عذر يمنعه من الطعام، كما لو كان صائماً طاعة لله أو كان ممنوعاً من أنواع معينة من الطعام بأمر الأطباء، فلا يمنعه ذلك من تلبية الدعوة بالحضور، لكن يبدي عذره للداعي بسبب عدم تناوله الطعام مع الدعاء له بالبركة والخير. وفي الحديث الصحيح قال صلى الله عليه وسلم: «إذا دعي أحدكم فليجب، فإن كان صائماً فليصل، وإن كان مفطراً فليطعم». ومعنى قوله «فليصل»: أي فليدع. وفي حديث آخر يقول عليه الصلاة والسلام: «إذا دعي أحدكم إلى طعام فليجب، إن شاء طعم، وإن شاء ترك». كما قال في حديث آخر: «إذا دعي أحدكم إلى طعام وهو صائم فليقل: إني صائم». وهذا القول في مقام العذر عن عدم تناول الطعام.

قال بعض العلماء: الأفضل هنا عدم قبول الدعوة، إذا كان الصوم واجباً، لأن صاحب الطعام يعذره لصومه، فلا يؤدي إلى جرح مشاعره، لكن إن كان الصوم نفلاً فالمستحب أن يفطر، لأن فيه إدخال السرور على قلب أخيه. وقيل: إن جبر قلب داعيه بكلمات المجاملة الرقيقة لم يفطر، لتحقق المقصود من جبر الخاطر. وتقديم المشاعر الإنسانية.

- عدم مصاحبة إنسان آخر لم توجه إليه الدعوة دون إذن صاحبها ، ولا بأس هنا من الاعتذار عن قبول الدعوة دون وجود الزوجة احتراماً وتقديراً لمشاعرها، فلا يجوز للمدعو أن يصطحب صديقاً أو ابناً أو زوجة إلا بإذن الداعي.

وفي عدم مصاحبة الغير دون إذن الداعي، كما يقول د. الهلالي، يفرق للفقهاء بين الدعوتين الخاصة والعامة، فإن كانت خاصة، وهي التي يدعى إليها أناس مخصوصون، فيكره كراهة تحريم التوجه إليها دون إذن شخصي من الجهة الداعية، حتى لا يعرض من يفعل ذلك نفسه للإحراج، إذ من حق الجهة الداعية منع دخول غير أصحاب الدعوة. جاء في كتب السنة أن رجلاً من الأنصار يقال له أبوشعيب وكان له غلام، فرأى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفي وجهه الجوع، فقال لغلامه: اصنع لنا طعاماً لخمسة، فإني أريد أن أدعو النبي صلى الله عليه وسلم خامس خمسة، فصنع. ثم جاء النبي صلى الله عليه وسلم خامس خمسة، وتبعهم رجل، فلما بلغ الباب قال النبي لصاحب البيت: «إن هذا اتبعنا فإن شئت أن تأذن له. وإن شئت رجع». قال: بلى، بل آذن له يا رسول الله.

يقول النووي: في هذا الحديث إن المدعو إذا تبعه رجل بغير استدعاء ينبغي له أن لا يأذن له وينهاه، وإذا بلغ باب دار صاحب الطعام أعلمه به ليأذن له أو لا، وأن صاحب الطعام يستحب له أن يأذن له إن لم يترتب على حضوره مفسدة بأن يؤذي الحاضرين، أو يشيع عنهم ما يكرهونه، ونحو ذلك، وينبغي أن يتلطف في رده، ولو أعطاه شيئاً من الطعام إن كان يليق به، ليكون رداً جميلاً كان حسناً.

أمّا إن كانت الدعوة عامة، مثل الولائم المفتوحة، كموائد الرحمن التي انتشرت في كثير من البلاد العربية والإسلامية في رمضان، فهذه لا يخص فيها أحد دون أحد، ويجوز تلبيتها بدون دعوة خاصة.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"