فعل الغير ومسؤولية الشركات

00:19 صباحا
قراءة دقيقتين

وجيه أمين عبدالعزيز*

لا شك أن مجرد الإشارة إلى وجود مسؤولية جنائية مترتبة على فعل الغير كاف لأن يثير القلق لدى البعض نظراً لكون المبدأ العام في القانون الجنائي هو «شخصية العقوبة» بمعنى «ألا يسأل شخص عن جريمة لم تكن نتيجة لنشاطه الإجرامي».

وحظيت المسؤولية الجنائية عن فعل الغير باهتمام كبيرمنذ أوائل القرن التاسع عشر وذلك بفضل شيوع استخدام الآلات والعمل لحساب الغير سواء كان فرداً أو شخصاً معنوياً ما فتح المجال أمام التوسع في مسؤولية الطرف الأقوى اقتصادياً كمالك المصنع أو المؤسسة التجارية عن أي جريمة يرتكبها أحد موظفيه أو تابعيه أثناء وبسبب تأديتهم لأعمال وظيفتهم، وساد الاتجاه إلى التوسع في دائرة المسؤولية الجنائية عن فعل الغير في الجرائم الاقتصادية نتيجة ما خلفته الحرب العالمية الثانية من أزمات اقتصادية استوجبت تدخل الدول بغرض تنظيمها.

ومع تطور الصناعات الحديثة وتعدد أخطائها ألزمت جميع القوانين في مختلف البلدان على رب العمل تنفيذ واجبات والتزامات محددة يترتب على الإخلال بها أو خرقها مسؤولية جنائية بحقه حتى ولو كان الفاعل موظفاً أوعاملاً لديه لأن القانون يفرض عليه شخصياً تلك الواجبات كونه صاحب المنفعة.

وتُعرّف المسؤولية الجنائية عن فعل الغير على أنها تلك المسؤولية الملقاة على عاتق رب العمل أو المشرف عليه عن الأفعال التي يرتكبها الأشخاص الذين يعملون تحت إدارته أو لخطئهم في الإدارة أو تقصيرهم في الرقابة عليه.

وتبعاً لذلك فإن مسؤولية رئيس الشركة أو المؤسسة تستند إلى خطأ متمثل في إهماله بالموجبات التي يفرضها عليه القانون أو بطبيعة النشاط الذي يمارسه أو لسوء تنظيم العمل داخل مؤسسته إذ يفترض فيه أن ينظم العمل داخل مؤسسته بصورة تحول دون حدوث أخطاء من قبل تابعيه، كما تحول الإضرار بالغير.

وأخذ المشرع الإماراتي بهذا المبدأ بالنص عليه في المادة (65) من قانون العقوبات الاتحادي رقم (3) لسنة 1987 وتعديلاته «الأشخاص الاعتبارية فيما عدا المصالح الحكومية ودوائرها الرسمية والهيئات والمؤسسات العامة مسؤولة جنائياً عن الجرائم التي يرتكبها ممثلوها أو مديروها أو وكلاؤها لحسابها أوباسمها ولايجوز الحكم عليها بغير الغرامة والمصادرة والتدابيرالجنائية المقررة للجريمة قانوناً، فإذا كان القانون يقرر للجريمة عقوبة أصلية غير الغرامة اقتصرت العقوبة على الغرامة التي لا يزيد حدها الأقصى على خمسمئة ألف درهم ولا يمنع ذلك من معاقبة مرتكب الجريمة شخصياً بالعقوبة المقررة لها في القانون». وبهذا المبدأ نجد أن كل رئيس أومدير لمنشأة عليه التزام بالقوانين في منشأته وإدراك تحمل مسؤوليته عن كل عمل غير مشروع صادر عن تابعه طالما كان ذلك أثناء وبسبب تأديته لأعمال وظيفته والأمر هنا لا يتعلق بإجرام مستعار لأن فعل التابع يفيد بمجرده أنه لم يؤدِ واجباته الرئيسية ومن ثم تقوم مسؤوليته على خطأ مفترض وهذا الوضع يتفق ومبدأ السلطة التي يأخذ بها القانون في مجال الاقتصاد. 

* مستشار قانوني أول - المركز العالمي للمحاماة والاستشارات القانونية

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

مستشار قانوني أول - المركز العالمي للمحاماة والاستشارات القانونية

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"