تأثيرات بعيدة المدى لـ «كورونا»

00:11 صباحا
قراءة 3 دقائق

د. فايز رشيد

واجه العالم في تاريخه القديم والحالي أوبئة كثيرة، لكن وباء كورنا يعتبر من أصعبها، فكل يوم نكون مع خبر جديد عن هذا المرض، لأن فيروسه سريع التحوّل، وآخر أشكاله «ألفا ودلتا»، وهما سريعا الانتشار، إلى الحد الذي أصابا فيه بلداناً عديدة.

 ووفقاً للمختصين، فإن التلقيح ضد هذا الوباء بجرعة أو جرعتين لا يمنع الإصابة بالأشكال المتحوّرة من الفيروس بسبب أن اللقاحات جرى اختراعها قبل أن تطرأ عليه الطفرات الجديدة من هذه السلالات. 

وتشير الأبحاث العلمية إلى أن اللقاحات أقل فاعلية ضد السلالات المتحورة، إلا أنها لا تزال تقدم وقاية محددة من الفيروس. ويقول العلماء أيضاً إنه حتى أولئك الذين تكون أعراض إصابتهم خفيفة، يستمرون بالشعور بالأعراض بعد التعافي من المرض. وقد أعلنت بعض الدول كبريطانيا مثلاً، عن انهيار النظام الصحي فيها، وأن ما يقارب من نصف وفيات الوباء الأخيرة فيها هم من الأشخاص الذين تم تطعيمهم بلقاحات مضادة للفيروس، بعد إصابتهم بمتحوريْ ألفا ودلتا، كما أن دولاً عربية وإسلامية قررت حظر الحركة كلياً خلال إجازة العيد.

 وهناك دول في أمريكا اللاتينية انهارت أوضاعها تماماً بسبب الوباء بنُسخِه العديدة، ويوصف هؤلاء الأشخاص أحياناً بأنهم «حاملون مستمرون للمرض»، وقد سميت هذه الحالات بمتلازمة ما بعد «كوفيد- 19» أو «كوفيد- 19 طويل الأمد». كل ذلك بالإضافة إلى أعراض أحسّها المرضى بعد شفائهم كالإرهاق وضيق التنفس، وألم المفاصل والصدر والعضلات، إضافة إلى مشاكل في الذاكرة والتركيز والنوم والصداع، وتسارع ضربات القلب، وفقدان حاسة الشم أو الذوق والاكتئاب أو القلق، والحُمى، كما تتفاقم الأعراض بعد الأنشطة البدنية أو الذهنية.

 كان يُنظر إلى فيروس كورونا كمرض يؤثر في الرئتين بشكل رئيسي، لكن ثبت علمياً، أن كورونا يلحق الضرر بالعديد من أعضاء الجسم الأخرى، ويمكن أن تؤدي إلى زيادة خطر التعرض لمشاكل صحية طويلة الأمد، فتشمل الأعضاء التي قد تتأثر بعضلة القلب. فقد أظهرت الاختبارات التصويرية التي أجريت بعد التعافي حتى لدى الأشخاص الذين لم يصابوا إلا بأعراض المرض الخفيفة زيادة في خطر التعرض لفشل القلب أو مضاعفات قلبية أخرى في المستقبل.

 كما ينصح الباحثون والأطباء بمراقبة الأشخاص الذين أصيبوا بكورونا عن كثب، للتأكد من سلامة وظائف أعضاء الجسم بعد التعافي، مع العلم أن العديد من المراكز الطبية الكبيرة تحرص على افتتاح عيادات متخصصة لتوفير الرعاية للأشخاص الذين يصابون بالأعراض المستمرة أو الأمراض ذات الصلة بكورونا بعد التعافي منه. لذا يتحتم أن نحرص على الحد من انتشاره من خلال اتباع الاحتياطات اللازمة التي تشمل ارتداء الكمامات، التباعد الاجتماعي وتجنب التجمعات الكثيرة العدد والحصول على اللقاح والحفاظ على نظافة اليدين. ومن الضرورة عدم الاستهانة بالأعراض، مثل ارتفاع درجة حرارته، أو السعال الدائم والذهاب إلى الطبيب للتأكد من عدم إصابته، لأن كثيرين يهملون في العادة ما يصابون به من أعراض بسيطة. ليس الهدف إخافة الناس، لكن نحن نعيش زمناً صعباً بسبب فيروس خطِر.

من تأثيرات المرض دولياً، أنه سيكون من الصعب القضاء على الجوع بحلول عام 2030، باعتبار ذلك أحد أهداف الألفية، التي حددتها الأمم المتحدة، وخصوصاً أن الوباء أدى إلى تفاقم نقص التغذية، وفق ما ورد في تقرير مشترك صدر خلال الشهر الحالي (تموز/يوليو) عن منظمة الأغذية والزراعة «الفاو» و«منظمة التعاون والتنمية» في الميدان الاقتصادي. 

وإذا كان قطاع الزراعة والأغذية عموماً قاوم أكثر من قطاعات الاقتصاد الأخرى وباء «كورونا»، فإن تأثير خسارة الدخل وتضخم الأسعار على استهلاك الغذاء، جعل من الصعب بالنسبة لكثيرين الحصول على غذاء صحي، وفقاً للتقرير؛ إذ تختلف العوائق التي تحول دون الوصول إلى هذا الهدف من بلد إلى آخر؛ بحيث «سيزداد متوسط توافر الغذاء العالمي للفرد بنسبة 4% خلال السنوات العشر المقبلة، وسيزيد قليلاً على 3025 سعرة حرارية يومياً في عام 2030» في البلدان المتوسطة الدخل، في حين أن النظام الغذائي يظل إلى حد كبير بدون تغيير في البلدان المنخفضة الدخل، كما في إفريقيا وجنوب الصحراء الكبرى؛ حيث عانى 224.3 مليون شخص من سوء التغذية بين 2017 و2019.

 وحول نصيب الفرد من استهلاك البروتينات الحيوانية، من المقرر أن «يستقر» في البلدان الغنية؛ حيث سيتناول المستهلكون بشكل متزايد الدواجن ومنتجات الألبان عوضاً عن اللحوم الحمراء لأسباب بيئية خاصة.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

كاتب وباحث في الشؤون الاستراتيجية، وهو من الخبراء في الصراع الفلسطيني العربي-"الإسرائيلي". إضافة إلى أنه روائي وكاتب قصة قصيرة يمتلك 34 مؤلفاً مطبوعاً في السياسة والرواية والقصة القصيرة والشعر وأدب الرحلة. والمفارقة أنه طبيب يزاول مهنته إلى يومنا هذا

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"