العربية في صراع الوجود

00:05 صباحا
قراءة دقيقتين

ألا ترى أن السؤال الذي انتهى إليه العمود، «في انتظار القرار اللغوي»، مبهم غير ملهم؟ مثير أن تسأل: ماذا لو اتخذ غير علماء اللغة قرار تطوير العربية؟ لكن، تعال نفحص الأمور بالتروي: ما الذي يحدث عندما يترك الناس المشكلات تتفاقم وتتراكم ويضربون عرض الحائط بالحلول. العقل العربي الذي أعطى القياس في اللغة مكانة في القمة الشماء، فاته أن يطبّق القياس في أمور أهم. مثلاً: لماذا لا ننظر إلى وضع لغتنا كما لو كان وضعاً اقتصادياً، تنموياً، صحياً.. إلى أين تفضي المعضلات المتغولة بلا علاج؟ الداء الذي لا يعالج وخامة خواتيمه معلومة. الأوضاع الاقتصادية المتردية وما شاكلها من المشكلات، كلها تصدح في النهاية: «لا بد للمكبوت من فيضانِ».
لا يحتاجنّ علماء العربية وعشاقها إلى عناء التحليل، فنحن في نسبية الزمن، قاب قوسين أو أدنى من حدوث أمور لا يعرف أحد مُرساها ومنتهاها، لكنها ستكون على الأرجح غير سارّة، مصيرية بالمعنى التشاؤمي. أخطر الأخطار التقليل من حادثات الليالي. على من يريد فهم حال العربية «على بلاطة»: لغتنا، يا حضرات علماء العربية، تزداد في كل يوم بعداً من أن تصبح لغة منتجة للعلوم. أكبر خيانة يمكن ارتكابها في حق لساننا، هي أن نغالط أنفسنا ونخدعها بأنها بخير وعافية. قضايا الساعة في شأن لغتنا، هي عدم القدرة على فرض الوجود في ميادين صراع النفوذ.
مقاييس عظمة اللغة ليست أزلية ولا أبدية، فلنغادر بلاد عجائب الأوهام.عربيتنا لا تنقذها لا كثرة المفردات ولا وفرة المرادفات، لا جبال الزوائد في القواعد، ولا تلال الشواهد. ستكون جماليات البلاغة والبيان، والبديع والمعاني، أبلغ وأبدع وأروع حين نراها، إلى جانب «محاضرات الأدباء»، «الأغاني»، «صبح الأعشى»، «نفح الطيب».. تتجلى في العلوم العصبية، الذكاء الاصطناعي، التقانة الحيوية، الفيزياء الفلكية، ولا يستطيع الباحثون في المشارق والمغارب الاستغناء عن الأدمغة التي تنتج العلوم بالعربية.
طال الحديث في الحواشي والهوامش عمداً وقصداً، وإلاّ فالمقصد المقصود، والهدف المنشود، أن يتنبه أولو العزم في شأن العربية، للمأزق المصيري، ألا وهو أن إهمال التطوير يؤدي إلى التطيير، وعدم ابتكار الحل مآله التحلل، والتخلي عن الحفاظ على حياة اللغة، هو تعجيل أجلها.
لزوم ما يلزم: النتيجة المنطقية: الأجيال ستختار علوم العصر وتقاناته، فإذا لم تلحق العربية، فلن ينتظروها. عندئذ «فات المعاد».
[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"