عادي

«اللعبة الغاضبة».. بوابة الرواية الحديثة في أمريكا اللاتينية

23:36 مساء
قراءة 3 دقائق
2

تهدف الدكتورة عبير عبد الحافظ من وراء دراستها التي تتصدر ترجمتها لرواية «اللعبة الغاضبة»، إلى استجلاء مشهد الرواية الأرجنتينية في أمريكا اللاتينية، منذ قرابة مئة عام، من خلال إلقاء الضوء على مؤلفها الكاتب الأرجنتيني روبرتو آرلت (2 إبريل 1900  26 يوليو 1942) الذي مهد الطريق (من بين آخرين) نحو صياغة جديدة للشكل الروائي والقصصي، مطلع القرن العشرين في الأرجنتين، خاصة، وأمريكا اللاتينية عامة.

وعلى الرغم من قصر عمره ورحيله في الثانية والأربعين، فإنه أثرى المكتبة اللاتينية بعشرات النصوص التي تنوعت ما بين الرواية والقصة والمسرح وأدب الرحلات، وارتكز أساس تجربته الفنية على مدارس منبثقة عن الحركات التجديدية في أوروبا.

نقطة فاصلة

«اللعبة الغاضبة» هي أولى روايات آرلت، وصدرت طبعتها الأولى عام 1926 وأحدثت نقطة تحول فاصلة، ذلك أنه لأول مرة تتحول مدينة بوينس آيرس إلى مركز للحكي، متخلية عن الصورة النمطية التي اعتادت الظهور عليها في أعمال أخرى، حيث يدشن آرلت فضاء سردياً جديداً، مستوحياً موتيفة أدب المهمشين لدستويفسكي، موثقاً ملامح البشر الخاضعين للفقر والخسران والضياع المتواصل، فيهيمون بلا توقف في شوارع المدن الكبيرة، في محاولة مضنية للبقاء.

بطل الرواية مدان بحياة الفقر والبؤس والعوز، غير أنه يحلم بمستقبل يخوض فيه المغامرات، ويصبح مشهوراً، وعلى الرغم من تقديم شخصيته في بداية العمل كسارق، فإنه نموذج مغاير لنموذج اللص التقليدي، فهو صعلوك لكنه نابغة يكتنفه الفضول للمعرفة، مهووس بالعلوم ويقرأ شعر بودلير. من جهة أخرى فإن المستقبل المرسوم له محفوف بالاضطرابات واليأس «إنه مقفر وقبيح كأنه عقدة تقف في سبيل روحي»، من هنا يتضح التحول في الشخصية، فاليقين من ديمومة العوز واليأس القائمين أبداً هو ما يسم المسيرة الوجودية لهذا الصبي.

«اللعبة الغاضبة» تدلل على عجز الضحية، الذي لا يعثر على أي مخرج أو وسيلة ينجو بهما، وأي قارئ مطلع على شيء من حياة روبرتو آرلت لن يكون بوسعه تجاهل عناصر التشابه البارزة بين الكاتب وبطل عمله «لقد ولد ليكتب عن شقاء طفولته وصباه وشبابه، فعل ذلك بغضب وحنق في آن واحد، إنها أشياء فاضت وكفت». وهناك أيضاً ما يمكن أن يقال حول هذه الرواية، باعتبارها بوابة الرواية الحديثة في أمريكا اللاتينية دون منازع.

كتب آرلت الرواية أولاً بعنوان «الحياة القذرة» غير أن دار النشر استبعدت العنوان لوقعه الثقيل، فصدرت بالعنوان الجديد، واعتبرت تجسيداً لثورة الفن الجديد، واشتملت على سمات الخطاب المقاوم للمدرسة التقليدية في شكل ومضمون الرواية، وصورة البطل، وتقنيات الحكي وغيرها من مقومات البنية الروائية المتعارف عليها.

ويسرد البطل سيرته الموجزة في البداية، وهو في الخامسة عشرة من عمره، منشأه البائس، وفقر عائلته المهاجرة، وغياب الأب الذي يكشف لاحقاً أنه قتل نفسه، عوزه وأسرته المؤلفة منه ومن أمه الهزيلة التعسة وأختها النابهة التي لا تملك ثمن الكتب الدراسية فتقرأ في المكتبة.. أصدقاؤه المماثلون له في التعاسة والفقر يقررون تأسيس «نادي فرسان منتصف الليل» للسرقات والاختراعات العلمية وقراءة وكتابة الشعر، وفي أعقاب الفشل بعد السرقات المتعاقبة للمتاجر والمنازل والمكتبات، يتفرقون، ويسلك كل منهم مسلكاً وضيعاً آخر.

نص مفتوح

يعمل بطل الرواية صبياً في متجر لبيع الكتب، يتجرع المهانة والخزي والجوع، ويتعرف إلى نقائص النفس البشرية لعالم الكبار عن قرب، ويحاول الالتحاق بمدرسة الطيران العسكرية ويتم قبوله، غير أنه يتعرض للطرد، ليضعوا مكانه شخصاً آخر بحكم المحسوبية، ويستقر به المقام بائعاً جوالاً في وكالة لبيع الورق، فيجانبه الفشل في البداية، إلا أنه يتمكن من تحقيق نجاحات متواضعة تسد رمقه هو وأسرته.

«اللعبة الغاضبة» ليست إلا نصاً مفتوحاً لتأويلات عدة، يتجزأ فيه الخطاب السردي إلى أربعة فصول تمثل حياة البطل المراهق في خضم بوينس آيرس؛ مدينة تتألف من خليط من المهاجرين مطلع القرن العشرين، وهذا قريب الشبه بحياة المؤلف الذي ولد لأب من بروسيا وأم إيطالية، وقد توفيت له شقيقتان بمرض السل، ومارس هو نفسه مهناً متعددة، فقد عمل مندوباً صحفياً، ورساما، وميكانيكياً، وبائعاً متجولاً، ولحاماً، وعاملاً في الميناء.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"