حين يتجلّى «أبو التجلّي»

00:06 صباحا
قراءة دقيقتين

ماذا يعني المغني الكامل؟ يمكن تلخيص مواهبه في أنه مدرسة. أندريا بوتشللي، أبو التجلّي، منظومة قيم فنية موسيقية. مدرسة، لأن مثاله قمة المقاييس التربوية في تكامل النظرية والتطبيق والإحساس بالجمال، وهذه في حد ذاتها تنم عن نظرة شمولية في فلسفة الفن. هذا هو العمود الفقري للعمود.
«أبو التجلي» سيكون السراج الوهاج في الحفل الافتتاحي لمعرض «إكسبو 2020 دبي»، لكن حضوره لا يقدّر بثمن تذكرة مقابل أعمال غنائية. هذا مطلب زهيد، ومرام محدود. حجر الأساس الذي وضعه كبنية تحتية مقصودة عن وعي وتخطيط، هو وحدة اندماجية بين العناصر المتجاوبة المتكاملة كوحدات وكمنظومة لتشييد الصرح الموسيقي شاهقاً.
في البدء، وضع الموسيقى النظرية في جيبه. هذا صون للفنان من نقيصة أن يكون أمّياً في صميم مجاله. ثم إن أقوم المسالك إلى جريان النظرية وسريانها في الشرايين، هو الموسيقى التطبيقية العملية، فتعلم العزف على البيانو والجيتار كآلتين وتريتين، والفلوت والساكسوفون كآلتي نفخ. أمّا في الصوت الخلقي، فقد شق الطريق الوعر، ولم يتهيب صعود الجبال، ولم يقنع بما دون نجوم القمة الشماء، طلب الغناء الأوبرالي بحنجرته التينور (الصادح، الصوت الرجالي العالي مثل بافاروتي، بلاسيدو دومينجو، كاريرا). في الكلاسيكي له بصمات في الأوبرا، وفي ما يسمى «الموسيقى المقدسة»، أو «ساكرد ميوزيك». لكنه لم يكن ليقسم مسيرة الفن إلى كنتونات أو أرخبيل جزر زمنية. ألبوماته الأوبرالية والكلاسيكية و«البوب» كلها حققت أرقاماً قياسية، مجموع مبيعاتها 85 مليون نسخة. أذنه ذوق كامل لا يفرق بين شكل وشكل. المثال: هل رأيت يوماً آلة الساكسوفون في أوركسترا سيمفوني؟ لكن الأوبرالي يهواها.
لهذا نقول مدرسة في معايير التربية الموسيقية للفنانين. في الكثير من النماذج العربية، يصير الشخص فناناً منذ أدائه أغنية أوّل مرة. لا نظرية، لا تطبيق، لا علم، لا دراية، لا دربة ولا تمرين. 
عند التزام معايير «أبو التجلي»، عربياً، يكون على الشخص أن يمتلك النظرية، أن يعزف على العود، القانون، الكمان والناي، مع آلة ضبط إيقاع، أن يجيد الموشحات، الأدوار والقدود، مطولات محمد عبدالوهاب وأم كلثوم، المواويل، الأغاني القصيرة، الابتهالات والإنشاد الديني... تطبيق ذلك في التشكيل، إجادة الرسم في المسيرة من ليوناردو دافنشي إلى التكعيبية والتجريدية. وفي الشعر، من الكلاسيكي إلى أدونيس.
لزوم ما يلزم: النتيجة التربوية: حين يؤدي ناشئ أغنية فنجعله نجماً، فإننا نخون الأمانة إزاء الذوق العام.
[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"