على «طالبان» إحراز هذا الهدف

00:19 صباحا
قراءة 3 دقائق

سليمان جودة

منذ اللحظة التي وصلت فيها حركة طالبان إلى الحكم نهاية شهر آغسطس /آب الماضي، تحولت فجأة من حركة كان عناصرها مطاردين في أنحاء البلاد، إلى حكومة تغازلها الغالبية من دول العالم، وبالذات حكومات الدول الكبيرة التي تقع على جوار مباشر معها.

ولكن الشيء الذي سيلاحظه كل متابع لما يجري حولنا، أن حكومات الدول التي غازلت الحركة سياسياً وتغازلها لم تعترف بها بعد.

وهذا لا بد أنه شيء لافت، كما لا بد أن وراءه ما وراءه من الأسباب، لأن وقوف العلاقة بين طالبان كحكومة في موقع المسؤولية، وبين باقي الحكومات في مختلف العواصم عند حدود الغزل السياسي له ما يبرره بالتأكيد. وما يبرره ليس سراً على كل حال، ومن السهل معرفته بقليل من التأمل الهادئ في مجريات الأمور.

والشيء الملاحظ أكثر أن الحكومة في باكستان، التي هي أقرب الدول إلى أفغانستان من الناحية السياسية، لم تجرب هي الأخرى أن تعترف بالحكومة في كابول إلى الآن.

وما أقصده بالاعتراف هنا هو الاعتراف القانوني الرسمي، على نحو ما اعترف الاتحاد السوفييتي بإسرائيل عند قيامها في الخامس عشر من مايو/أيار ١٩٤٨، فلقد كان الاتحاد السابق هو أول دولة تعترف بالدولة الجديدة بالمعنى المشار إليه، أما اعتراف الولايات المتحدة الأمريكية بحكومة ديفيد بن جوريون وقتها في تل أبيب، فهو، حتى وإن كان يوصف بأنه كان سابقاً على اعتراف السوفييت، إلا أنه كان اعترافاً واقعياً عملياً وفقط، ولم يكن اعترافاً قانونياً رسمياً بكل ما تترتب عليه من التزامات بين الدول.

والمؤكد أن كل دولة لها حساباتها في مسألة طالبان، لأن كل عاصمة تحسبها بالورقة والقلم، ولا تعترف بحكومة جديدة طارئة في أية عاصمة إلا وفق معايير محددة.

وقد كان المتوقع أن تكون حكومة الرئيس الأمريكي جو بايدن، هي أول حكومة تعترف سريعاً بحكومة الحركة في العاصمة الأفغانية، لأنه لولا انسحاب القوات الأمريكية بشكل مفاجئ وسريع من أفغانستان، ما كانت طالبان قد دخلت القصر الرئاسي هناك.

ولكن هذا التوقع رغم منطقيته لا يزال أمراً نظرياً إلى هذه اللحظة، ولا تزال إدارة بايدن تؤخر اعترافها بحكومة الحركة وتعلن ذلك ولا تخفيه.

وهي تؤخره لأنها تربطه بسلوك طالبان السياسي العملي على الأرض، وترى اعترافها مرهوناً بمدى قدرة الطالبانيين على أن يكونوا عصريين ويظهروا احترماً للحريات العامة، وحقوق الأقليات، وحقوق المرأة، وغيرها من الأمور التي تجعل البلد في نطاق العصر لا خارجه.

والولايات المتحدة لا تفعل ذلك عن حب في أفغانستان، ولا تفعله عن غرام بحكومتها الوليدة، وإنما عن تقدير للمصلحة الأمريكية التي سيضيرها بالقطع، أن تكون الحكومة في كابول على خصام مع العصر، أو أن تعود إلى الحكم دون أن تأخذ الدرس الواجب من عشرين سنة قضتها بعيداً عن الكرسي، منذ أن غادرته في مطلع العقد الأول في هذا القرن.

وقد انتقلت واشنطن من مربع التمهل في الاعتراف بالحكومة في أفغانستان، إلى مربع حث الدول الأخرى على ذلك، لعل طالبان تفهم أن الكرة في ملعبها، وأن عليها أن تحرز بها هدفاً نظيفاً في مرمى التشدد، فلا يتعلق بها التطرف ولا يراهن عليها.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"