متلازمة هافانا

00:08 صباحا
قراءة دقيقتين

د. حسن مدن

الفرق بين معنى «متلازمة» في اللغة ومعناها الطبي شاسع، فلا تكاد تجد ما يجمعهما، فلو بحثت في معاجم اللغة عن معنى المفردة، فستحيلك أولاً إلى الفعل: لزم، يلزم، لزوماً، ويقال لزم مكانه، أي لم يفارقه، ويقال إذا لزم الأمر، أي إذا اقتضى الحال، أما إذا قلنا لازمة، فنعني بها كلمة أو مقطع يعاد ترديده.
الشروحات في هذا المجال تطول، لذا نكتفي بما أتينا به، لننتقل إلى وصف المعاجم الطبية ل «اللازمة»، بأنها «خلل عقلي أو جسدي أو عضوي، يصبح، أحياناً، غير قابل للعلاج»، وأنها «مرض أو اضطراب بمجموعة من الأعراض التي تأتي مجتمعة».
وهنا أيضاً يطول الشرح بما لا طاقة للمساحة في استيعابه، لذا سنكتفي، ثانية، بما أتينا به، لنذهب إلى المصطلح الذي تجدونه في العنوان: «متلازمة هافانا»، ونكاد نجزم أن الكثيرين منا حين يسمعونه أو يقرأونه أول مرة فإن أذهانهم لن تنصرف لا إلى التعريف اللغوي ولا إلى التعريف الطبي، وسيحسبون أنه مصطلح سياسي، فكيف ل «هافانا» عاصمة كوبا أن تحضر دون أن ينصرف التفكير نحو السياسة؛ حيث اختار الغرب، والولايات المتحدة في مقدمته، أن يجعل من نظام الحكم في الجزيرة، المتمرد عليه، خصماً لم يفلح مرور العقود في إنهاء هذه الخصومة، أو الحد من حدتها.
وكوبا ليست روسيا ولا الصين من حيث المساحة والقوة الاقتصادية والجبروت العسكري، فهي جزيرة معزولة، فقيرة، تعاني حصاراً اقتصادياً مريراً فرضه هذا الغرب الظالم عليها، لأنها خرجت عن السرب الذي يقوده الغرب، وما زالت مصرّة على ألاّ تعود إلى هذا السرب، على الرغم من الضغوط والعقوبات بأنواعها، لكن صغر مساحتها وقلة مواردها لم يشفعا لها، لذا فحين نسمع ب «متلازمة هافانا»، يخطر في بالنا أن المقصود هو ما تمثله من عقدة لمن اختاروا معاداتها.
بشيء من البحث سنعرف أن «متلازمة هافانا» اسم أطلق على مرض غامض تم، مؤخراً، اكتشاف خمس حالات منه في صفوف عاملين في السفارة الأمريكية في كولومبيا، وسبب إطلاق هذا المسمى عليه هو أن المتلازمة المحيّرة ظهرت أول مرة، كما يقال، عام 2016 في هافانا، عندما اكتشفت عشرات الحالات بين الدبلوماسيين الأمريكيين والكنديين وأفراد أسرهم في العاصمة الكوبية، ليتوالى الإبلاغ عن الإصابة بهذه الأعراض من قبل الدبلوماسيين الأمريكيين ومسؤولي المخابرات، بما في ذلك العاملين في روسيا والصين والنمسا وفيتنام ومؤخراً في برلين.
مع ذلك ليست السياسة بريئة من المسمى، فإذا كان «كوفيد – 19» أصبح «فيروساً صينياً»، كما كان ترامب يردد، فما المانع أن تكون المتلازمة الجديدة كوبية؟
[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

كاتب من البحرين من مواليد 1956 عمل في دائرة الثقافية بالشارقة، وهيئة البحرين للثقافة والتراث الوطني. وشغل منصب مدير تحرير عدد من الدوريات الثقافية بينها "الرافد" و"البحرين الثقافية". وأصدر عدة مؤلفات منها: "ترميم الذاكرة" و"خارج السرب" و"الكتابة بحبر أسود".

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"